قالت وكالة "بلومبرغ"، إن عدد حالات الوفاة بسبب فيروس كورونا في الصين، في تزايد مستمر، قياساً بما تستقبله دور الجنازات ومحارق الجثث، رغم عدم إبلاغ السلطات عن وفيات جراء الفيروس منذ أسبوعين.
وتشهد العاصمة الصينية أسوأ موجة للفيروس حتى الآن، بعد أن تخلّى مسؤولون في جميع أنحاء البلاد على نحو مفاجئ عن القيود الصارمة التي أبقت الفيروس تحت السيطرة، خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأفادت وكالة "رويترز"، الأحد، بأنّ دور الجنازات في بكين أصبحت مكدسة، وهو ما أشارت إليه أيضاً وكالة "أسوشيتد برس".
والجمعة، قال موظفون بمحرقة جثث في بكين لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إنهم أحرقوا جثث 30 شخصاً على الأقل من ضحايا كورونا، الأربعاء.
ومع ذلك، لم تُعلن الصين عن أي وفيات منذ 4 ديسمبر، عندما سجلت وفاة شخصين، أحدهما رجل يبلغ من العمر 84 عاماً في مقاطعة سيتشوان يعاني أمراضاً مزمنة، وآخر في مقاطعة شاندونج.
وسُجلت آخر حالة وفاة رسمية بكورونا أبلغت عنها في بكين، في 23 نوفمبر، وكانت لامرأة تبلغ من العمر 87 عاماً، قالت السلطات إنها مصابة بمرض مزمن في القلب.
وقف الفحوص
وأصبح من الصعب بشكل متزايد تكوين صورة عامة عن حجم تفشي كورونا بالصين، خاصة بعد أن أوقفت البلاد، الأسبوع الماضي، الإبلاغ عن الحالات التي لا تظهر عليها أعراض المرض، والتي شكلت عادةً الجزء الأكبر من حصيلة العدوى.
وحتى قبل هذه الخطوة، إزالت السلطات مراكز اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (بي سي آر) التي كانت منتشرة في كل مكان في البلاد، وزادت من استخدام الاختبارات السريعة، ما يعني أن البيانات الرسمية كانت بلا مغزى تقريباً.
وفي إطار تخفيف القيود، لم تعد تجرى الفحوص الجماعية للكشف عن الفيروس، ما يلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت أرقام الحالات المسجلة رسمياً تعكس حقيقة تفشي المرض.
وسجلت الصين نحو 2097 إصابة جديدة مصحوبة بأعراض، السبت.
وقال متحدث باسم لجنة الصحة الوطنية الصينية لـ"بلومبرغ"، الثلاثاء، إن الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا عند وفاتهم، يجري تصنيفهم على أنهم وفيات بسبب الفيروس، بغض النظر عما إذا كان هو السبب المباشر لوفاتهم.
ومع ذلك، فإن التقارير الصادرة عن دور الجنازات ومحارق الجثث في بكين تشير إلى أنه ربما لم يعد الأمر كذلك، أو أن السلطات المحلية أو المستشفيات تصنف الوفيات على نحو مختلف.
ولدى الاتصال بها، الأحد، لم يكن لدى لجنة الصحة الوطنية الصينية أي تعليق على التقارير بشأن وفيات كورونا، وصالات الجنازة المكدسة في بكين.
وأحرقت دار جنازات دونججياو في بكين 150 جثة، الأربعاء، بينها 30 أو 40 جثة من ضحايا "كوفيد-19"، حسب ما ذكر عامل طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة "فايننشال تايمز"، كما شاهد مراسلو الصحيفة أيضاً أكياساً للجثث في مستشفى مخصص لمرضى الفيروس.
شوارع "مخيفة"
وأفادت وكالة "رويترز" بأن شوارع المدن الرئيسية كانت هادئة بشكل مخيف، الأحد، حيث بقي الناس في منازلهم لحماية أنفسهم من زيادة حالات الإصابة التي ضربت المراكز الحضرية من الشمال إلى الجنوب.
وفي بكين، أثّر تفشي متحور "أوميكرون" سريع الانتشار بالفعل على الخدمات من تقديم الطعام إلى تسليم الطرود، كما تكافح دور الجنائز ومحارق الجثث في جميع أنحاء المدينة التي يبلغ عدد سكانها 22 مليوناً لمواكبة الطلب وسط نقص في عدد الموظفين، إذ يطلب العمال والسائقون إجازات مرضية.
وشوهدت العديد من سيارات نقل الموتى تدخل إلى أكبر دار جنائزية في بابواشان، والتي تستقبل جثامين كبار المسؤولين والقادة الصينيين، وكانت منطقة وقوف السيارات ممتلئة أيضاً.
وفي شنغهاي، قالت السلطات إنه يتعين على المدارس تحويل معظم الفصول الدراسية إلى الدراسة عن بعد اعتباراً من الاثنين.
3 موجات
ونقل تقرير إعلامي حكومي عن كبير علماء الأوبئة في المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها وو تسونيو، قوله، السبت، خلال مؤتمر ببكين، إن "فصل الشتاء سيشهد ذروة تفشي الفيروس وستكون هناك 3 موجات على مدار نحو 3 أشهر".
وأضاف: "ستمتد الموجة الأولى من منتصف ديسمبر حتى منتصف يناير إلى حد كبير في المدن، قبل أن تبدأ موجة ثانية من أواخر يناير إلى منتصف فبراير، بسبب سفر الأفراد قبل عطلة رأس السنة القمرية التي تستمر أسبوعاً".
وعادة ما تشهد عطلة رأس السنة القمرية عودة مئات الملايين من الأشخاص إلى مناطقهم لقضاء بعض الوقت مع العائلة.
وأوضح تسونيو أن الموجة الثالثة من الإصابات ستستمر من أواخر فبراير إلى منتصف مارس بعد عودة الأفراد إلى عملهم بعد العطلة.
سياسة "صفر كوفيد"
وأبلغت الصين عن 5 آلاف و235 حالة وفاة فقط جراء كورونا منذ بدء الجائحة في أواخر عام 2019، بظهور أولى الحالات المعروفة في مدينة ووهان بوسط البلاد.
ولفتت "بلومبرغ" إلى أن نظام الإغلاق والاختبار الشامل والعزل الإلزامي كان نتيجة تلك الأزمة، ومكّن الصين من البقاء فترات طويلة أثناء الجائحة خالية من الفيروس تقريباً.
وعمل الرئيس الصيني شي جين بينج على موائمة قواعد حكمه بشكل وثيق مع سياسة "صفر-كوفيد"، التي استخدمها للترويج لتفوق الصين على الغرب، لا سيما الولايات المتحدة التي شهدت أكثر من مليون حالة وفاة رسمية بكورونا.
لكن كل ذلك تغير خلال الأسابيع القليلة الماضية، عندما دفعت احتجاجات غير مسبوقة اجتاحت مدن صينية كبرى بكين إلى تغيير موقفها بشأن السياسة التي كانت تعرقل ثاني أكبر اقتصاد في العالم طوال العام.
وتحول الخطاب الرسمي من شيطنة كورونا إلى التقليل من شأنها، إذ أخبر أحد كبار المستشارين الطبيين طلاب الجامعات، الأسبوع الماضي، أنه يمكن وصف الفيروس بأنه "نزلة برد".
وقال بيان لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا"، السبت: "شيء واحد أصبح واضحاً تماماً الآن: لقد احترمت الصين ما قالت دوماً إنها ستفعله، وهو وضع الناس وحياتهم فوق كل اعتبار. بعد 3 سنوات، أصبح الفيروس أضعف لكننا أصبحنا أقوى".
واعتبرت "بلومبرغ" أن موجة الوفيات من شأنها أن تقوض رواية الحكومة الصينية بأنها تعاملت مع الفيروس بشكل أفضل من دول أخرى، وأنها اختارت هذا التوقيت للتركيز على أسس علمية.
وعمدت الدولة إلى إلغاء القيود في فصل الشتاء، في الوقت الذي يظل معدل التطعيم بين كبار السن أقل من مثيله في دول أخرى أعادت فتحه أبوابها بعد سعيها للقضاء على الفيروس.
وتعاني مستشفيات الصين، لا سيما خارج المدن الكبرى، من نقص الموارد ومن غير الواضح ما إذا كانت البلاد لديها مخزونات كافية من الأدوية المضادة للفيروسات، وأدوية كورونا الأخرى.
توقعات بمليون وفاة
وربما تشهد الصين ما يقرب من مليون حالة وفاة بسبب كورونا مع إعادة فتح أبوابها أخيراً، وفقاً لتقرير صادر عن باحثين في هونج كونج، الخميس.
وتوقع معهد القياسات الصحية والتقييم بالولايات المتحدة أن تصل الوفيات إلى مليون شخص حتى عام 2023 بعد أن أدى التراجع المفاجئ عن سياسة "صفر كوفيد" إلى زيادة مفاجئة في الإصابات.
ووفقا لـ"بلومبرغ" يثير عدم تسجيل أي حالات وفاة منذ رفع القيود تساؤلات بين بعض الصينيين الذين يتساءلون على منصات تواصل اجتماعي مثل "ويبو" عما إذا كانت الوفيات في أماكن مثل بكين قد زادت، ويشكون من طوابير طويلة في دور الجنازات.