جان فولكيل
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة
ثقة شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضعيفة في حكوماتها بسبب سجلها السيء في حماية حقوق مواطنيها وهذا يؤثر على قدرة التعامل مع أزمات معقدة كالمناخ وكورونا. تحليل جان فويلكيل لموقع قنطرة.
الأزمات المعقّدة تُعتَبَر "مخاطر على الأنظمة الحياتية": إنها تهديدات للأنظمة الأساسية للمجتمع التي تتبع إلى حد كبير مسارات لا يمكن توقعها في إطار عابر للحدود، يتجه نحو نقطة تحوّل كارثية مع عواقب وخيمة. وقد شكّل وباء كوفيد 19 مثالاً ممتازاً على هذا. إذ هدّدت عواقبه أنظمة حيوية مختلفة، مثل الصحة العامة، والأنشطة الاقتصادية والتعليم وحتى العلاقات الشخصية.
وفي الوقت ذاته، من المرجح أن يتسبّب تغيّر المناخ في إحداث آثار مدمّرة على أنظمة متنوعة؛ من التنوع البيولوجي إلى الزراعة، ومن الرعاية الصحية إلى تخطيط المدن، من بين أمور أخرى، مما يشكّل خطراً على وجود المجتمعات وبقاء البشرية. وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة كارنيغي، فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ.
تعتمد مواجهة هذه المخاطر على متغيرين:
1- القيادة الوظيفية، أي درجة الكفاءة والقدرة في أداء الإدارة.
2- الفاعلية الاجتماعية والاقتصادية، أي الموارد التي بإمكان المجتمع استثمارها في منع الأزمات وإدارتها.
مؤشر التحوّل الخاص بمؤسسة برتلسمان شتيفتونغ (BTI) -بفئتيه الفرعيتين التكميليتين "مؤشر الحالة" و"مؤشر الإدارة"- يقيس هذين المتغيرين الشاملين بأشكالهما المختلفة. فيصف مؤشر الحوكمة ما تفعله الحكومات ويصوّر مستوى أداء قيادتها؛ بينما يوضّح مؤشر الحالة مدى تقدّم القدرة الاقتصادية والسياسية للبلد، في الحالة المثالية، فهو اقتصاد سوق اجتماعي جزء لا يتجزأ من نظام حكم ديمقراطي شامل.
تضاؤل ثقة الجمهور في القادة
في كلا المقياسين، سجلت معظم البلدان العربية نتائج سيئة. وباستثناء الإمارات العربية المتحدة وقطر وبدرجة أقل المغرب، فإنّ جميع الحكومات الـ 16 الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أظهرت عجزاً كبيراً في "قدرتها التوجيهية"، أي معيار BTI الذي يقيس قدرة الحكومات على تحديد أولويات قرارات السياسة الخاصة بها وتنفيذها وربما التعلّم من الأخطاء السابقة أو الاستشارات الخارجية. ويُعدُّ العمل الحازم كنوع من "شرعية المخرجات" عنصراً أساسياً للحكومات لاكتساب ثقة مواطنيها، لا سيما حين تفتقر إلى شرعية "مدخلات" ديمقراطية، ولكن حتى تركيا مرتبتها أقل من المتوسط العالمي لمعيار BTI في الإصدار الأخير لـ BTI لعام 2022.
مؤشر أداء التغير المناخي Klimaschutz-Index
مؤشر أداء التغير المناخي: من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى آثار مدمرة على أنظمة عديدة مثل التنوع البيولوجي والزراعة والرعاية الطبية وتخطيط المدن، من بين أمور أخرى، مما يشكّل خطراً على وجود المجتمعات وبقاء الإنسان. ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة كارنيغي، تعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق عرضة للتغيير المناخي.
وتظهر الصورة ذاتها حين يتعلق الأمر بمقاييس أخرى للحكم الجدير بالثقة. ومتوسّط جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معايير BTI الأساسية مثل "كفاءة الموارد" أو "التعاون الدولي" أقل بكثير من المتوسط العالمي.
وفي مثل هذه الظروف المؤسفة، كيف يُتوقع من المواطنين العاديين الثقةَ بحكومتهم عند الحاجة إلى إجراءات استثنائية، غالباً ما تكون مُكلِفة، لمواجهة المخاطر -المتعلقة الأنظمة الحياتية- مثل تغير المناخ أو كوفيد 19؟
دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الفقيرة تترك مواطنيها تحت رحمة الأزمات
يمكن للبلدان الغنية بالموارد والمصدّرة للنفط والغاز في المنطقة، أن تسدّ هذه الفجوات إلى حدٍّ ما من خلال الاستثمار بكثافة في الصحة العامة ومقاومة الحرارة والجفاف. لكن البلدان الأقل ثراء أو التي تعيش نزاعات لا يمكنها تحمّل مثل هذه التكاليف. فمزارعوها بمفردهم في الحقول القاحلة، ومرضاها محرومون من الأدوية الأساسية في المستشفيات السيئة، والفقراء فيها عاجزون أمام التضخّم الكبير.
لكن إن لم تتعاون الحكومات والمجتمعات في الأزمات الكبرى، فاحتمالات التغلّب على تحديات كهذه تصبح أكثر صعوبة. فكوفيد 19 أو تغير المناخ أو غيره من الكوارث الطبيعية أو التي من صنع الإنسان هي تحديات لا تستعد لها معظم الحكومات والمجتمعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كافٍ، فلبنان المنهار، الذي شكّل فيما مضى استثناءً لامعاً -لانعدام الثقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقيادة- أصبح مجرد مثال آخر على أوجه القصور الأبرز في المنطقة.
في نهاية المطاف، يحقّ لمواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل جميع المواطنين، الحصول على 3 خدمات أساسية على الأقل في السياسة العامة:
1- ينبغي أن يكون النمو الاقتصادي مستداماً وشاملاً، مع إعادة الأموال إلى النظم الأساسية للمجتمعات بدلاً من تدفقها إلى جيوب النخب، الثرية بالفعل؛
2- ينبغي أن تتضمن الإجراءات الحكومية النظر الدقيق في النصائح العلمية وأن تُشرِك منتقدي النظام بجدية؛ ويجب أن تسترشد النزاعات الأيديولوجية بالحقائق التجريبية والخبرة المحايدة؛
3- ينبغي أن تكون القرارات السياسية شفافة ليتمكن المواطنون من فهمها وقبولها بشكل أفضل.
ولا علاقة لشرعيات المخرجات الثلاث هذه بالسؤال الديمقراطي الأهم والأصعب المتعلّق بالانتخابات الحرة والنزيهة. ولكن إن أُخِذت في الاعتبار بجدية في المجتمعات، فالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ضد العمال المهاجرين والنساء والأقليات العرقية والدينية والمعارضين والنشطاء في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن تكون ممكنة أو مسموحة. لا يمكن لأربعة أسابيع من المباريات المشوّقة والأهداف الرائعة والملاعب المتألقة في قطر، تجميل المخاطر المتعلقة بالأنظمة الحياتية التي يواجهها مواطنو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كل يوم.