(جريدة الأخبار اللبنانية)
فيما ينتظر العالم كلّه لقاحاً ضدّ فيروس «كورونا»، تُعدُّ دراسة نتائج اللقاحات على البشر عمليّة طويلة الأمد. كمثال على ذلك، احتاج العلماء إلى خمس سنوات لإيجاد لقاح فعّال ضدّ فيروس «إيبولا»، علماً بأنه أسرع لقاح تم إنتاجه حتى الآن. في حالة «كورونا»، لا يمتلك العالم ترف الوقت، فيما تتكدّس جثث الضحايا من جهة، وتئنّ كبريات الاقتصادات تحت وطأة ركودٍ متسارع، من جهة ثانية. ولأن الغاية تبرّر الوسيلة، قرّرت مجموعة من العلماء الخروج عن السياق التقليدي لعملية إنتاج اللقاح، فطلبت الاستعانة بمتطوّعين وافقوا على التعرّض للفيروس، بعد تجربة اللقاح عليهم. تجربةٌ تُعدُّ واحدة من الأكثر إثارةً للجدل في تاريخ الطب، وهي تنتظر موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
يتطوّع الراغبون من خلال الدخول إلى الموقع الإلكتروني 1daysooner.org، حيث سجّل أكثر من 20 ألف شخص حول العالم، غالبيتهم من الفئة العمرية الشابة، أسماءَهم للمشاركة في تجربة «لقاح التحدي البشري». تجربةٌ ستتم عبر تقسيم المتطوعين إلى فريقين: يُحقَن الأول بلقاح ضد الفيروس، فيما يتمّ إيهام الفريق الثاني بأنه حُقن باللقاح. بعدها، ينتظر العلماء ريثما يكوّن جهاز المناعة لدى الفريق الأول أجساماً مضادة للفيروس، قبل تعريض الفريقين لفيروس «كورونا» عبر بخّاخات الأنف.
يُراد من هذه التجربة تسريع عملية اكتشاف فعالية لقاحٍ ما مِن عدمها؛ وفي حين تحمل هذه التجربة منفعة كبيرة للمصلحة العامة، إلا أنها تحمل، في الوقت ذاته، مخاطر صحية كبيرة على المتطوّعين، إذ إنها قد تؤدّي إلى وفاة العديد منهم، في غياب أيّ علاج فعّال. يضاف إلى ما سبق، المشكلة الأخلاقية المتأتّية من تجربة كهذه؛ إذ بمعزل عن «تطوّع» الناس للخضوع لها، إلا أنها تشكل عائقاً أساسياً أمام القيام بها. وفي هذا الشأن، تفيد إدارة الغذاء والدواء «إف دي إيه»، على لسان الناطق باسمها، بأن «الوكالة ستعمل مع أولئك المهتمين بإجراء تجربة التحدي البشري لمساعدتهم على تقييم القضايا الأخلاقية وغيرها»، و«ستقوم الوكالة باتّخاذ قرار رسمي في شأن أيّ اقتراح تجريبي محدّد لتجربة التحدي البشري في سياق توفر جميع المعلومات المتاحة في ذلك الوقت».
أكثر من 20 ألف شخص حول العالم تطوّعوا للتجربة
تجارب اللقاحات التقليدية تتألّف عادة من ثلاث مراحل: الأولى، يتم فيها حقن أقلّ من 100 مشارك لتحديد سلامة اللقاح، بينما يصل عدد المشاركين في الثانية إلى المئات؛ أما في الثالثة، فيتمّ توسيع الدراسة لتشمل آلاف المتطوعين. في المرحلة الأخيرة، يعود المشاركون إلى حياتهم اليومية، ويقارن الباحثون، على مدى أشهر، معدّلات الإصابة بين الذين حُقنوا بلقاح وهمي، وأولئك الذين حُقنوا بلقاح فعلي. ما تقدمه تجربة «لقاح التحدي البشري»، هو اختصار الفترة الزمنية للإصابة بالمرض، لأن الباحثين لن يضطرّوا إلى الانتظار حتى يصاب المشاركون بالطريقة العضوية من خلال التفاعل مع الأشخاص في أماكن العمل والمدرسة، أو في دور العبادة أو المنازل. بدلاً من ذلك، سيعرّضون المتطوعين للفيروس مباشرةً داخل المختبر.
ستؤمِّن هذه التجربة أيضاً، الفرصة لتحديد أيٍّ من اللقاحات يعطي نتائج إيجابية أكثر من غيره. كما أنها تمهِّد الطريق أمام الترخيص الموقّت لاستخدام أحد اللقاحات في حالات الطوارئ. لا شكّ في أن ما تطوّع مِن أجله هؤلاء خطيرٌ جداً، فضلاً عن أنه يتطلّب شجاعة كبيرة.