اندبندنت عربية
ثلاث سنوات في رأي الخبراء هي زمن قصير لقياس التحولات العالمية العميقة، وحتى 30 سنة مرت منذ كتب فرانسيس #فوكوياما "نهاية التاريخ"، لكي يكتب أستاذ الفلسفة في "جامعة أوكسفورد" وليم ماكاسكيل عن "بداية التاريخ" ويقول إن "الإنسانية اليوم طفل يحبو، ونحن من أول أجيال التاريخ"، وخلالها كان فوكوياما اعترف بأن التاريخ لا ينتهي ما دام العلم يتطور، ويكتب في "فورين أفيرز" عن "مستقبل التاريخ"، لكن من الصعب تجنب طرح أسئلة تحتاج إلى أجوبة خلال سنوات من كارثة كورونا: ماذا تغير بالفعل في العالم بعد الوباء؟ وما الذي تأكد؟ وما لم يحدث من تنبؤات العلماء وتحليلات المفكرين الاستراتيجيين.
حين ظهر الفيروس في ووهان الصينية تكتمت السلطات على الخبر وأجبرت الدكتور الذي تحدث عنه على التراجع والاعتراف بأنه كان على خطأ، وحين اضطرت إلى الاعتراف بالوباء في بداية الحجر الصحي قالت لشعب ووهان "الفيروس ليس ناقلاً للعدوى بين البشر ومن الممكن السيطرة عليه بسهولة فلا تقلقوا"، كما روت الكاتبة فانغ فانغ في كتاب "يوميات ووهان: برقيات من مدينة في الحجر"، لكن الوباء عاد للانتشار بشكل واسع في الصين وأصاب الملايين بعد أن خف في العالم، ودونالد ترمب المعتد بنفسه إلى درجة الهستيريا قال "لو ترشح جورج واشنطن وأبراهام لينكولن ضدي قبل كورونا لما ربحا".
تنبؤات غريس بلايكلي في كتاب "كيف سيغير الوباء العالم" صح بعضها، "أسوأ ركود اقتصادي وحقبة جديدة من الرأسمالية الاحتكارية"، لكن أكثر من 100 مليون شخص صاروا فقراء، وشركات الأدوية هي التي ازدادت أرباحها، لا "الشركات التكنولوجية" التي تعرضت لهزات كبيرة، وكانت الخسائر بمئات مليارات الدولارات خلال أيام، وما حذر منه مدير "منظمة الصحة العالمية" تيدروس غيبريسوس ظهر بوضوح، وهو "قومية اللقاحات" في "عولمة الوباء".
وما قاله علماء من أن الوباء موسم ينتهي في الصيف تبين أنه خاطئ، إذ يقول العلماء اليوم إنهم لا يستطيعون تحديد نهاية له، أما تقدير صندوق النقد الدولي عن "البناء بشكل أفضل عبر إصلاحات الحوكمة وتعاظم الفساد" فإنه تصور لم يتحقق في الواقع، إذ ساءت الحوكمة وتعاظم الفساد، وأما عنوان المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، "إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية"، فإن ما بدأه ليس كورونا بل الغزو الروسي لأوكرانيا ومواجهة الغرب له.
البروفسور كلاوس شواب في كتاب "كوفيد-19: إعادة الضبط والتشغيل الكبرى" رأى أن "الوباء فرصة لإطلاق مسار جديد يساعد الرأسمالية المعولمة في تخطي أزماتها"، غير أن ما حصل هو ازدياد الأزمات حتى في البلدان المتطورة وارتفاع الشكوى من العولمة في أميركا نفسها.
جيمس ريكاردز في كتاب "الكساد الجديد: الرابحون والخاسرون في عالم ما بعد الوباء" اعتبر أن التغيرات التي أحدثها الوباء ستكون "دائمة وثابتة خلال 30 سنة من النمو الاقتصادي المنخفض"، مع ميل الحكومات إلى تحمل ديون ضخمة، وهوما تأكد عملياً.
بوب غوردون في كتاب "الحياة بعد كوفيد-19" استعاد قصة الحمى الصفراء التي أفسدت طموحات نابوليون التوسعية ليقول إن "كورونا وضعت تحديات ضخمة أمام السياحة وشركات الطيران والقطاع التعليمي وسلاسل الإمداد"، وهذا كان ظاهراً من دون حاجة إلى تحليل، وسكوت غالواي في كتاب "ما بعد كورونا" أشار إلى أن "الوباء سرع وتيرة اتجاه صاعد: صعود الشركات الكبرى وصعوبة مراقبتها في المستقبل"، والواقع أكده.
أما فريد زكريا في كتاب "عشرة دروس لعالم ما بعد كورونا"، فإن دروسه لم يصح معظمها.
لا "الوباء القبيح فتح الطريق إلى عالم جديد، ولا إعادة توزيع الثروة" حدثت إن لم يحدث العكس، إذ ازداد الأثرياء غنى والفقراء فقراً، لا بل إن العالم عاد للقديم وصراعات القرن الـ 19 كما دلت حرب أوكرانيا، والتحولات ليست في اتجاه واحد في لعبة طويلة.