يعيش أغلب السوريين حالة من الترقّب الدائم خشية وقوع زلزال جديد، فيما لا تزال كارثة 6 شباط وما قد يَعقبها من كوارث مماثلة طاغية على أحاديثهم واهتماماتهم اليومية. ولذا، فهم يَبقون في «وضعيّة الاستعداد»، في محاولة لصدّ احتمالات الوقوع كضحايا أو متضرّرين من الزلازل القادمة؛ فمنهم مَن تركوا منازلهم ونزحوا إلى أماكن يَعتقدون أنها أقلّ خطورة، ومنهم من جهّزوا ما يَلزم للنجاة أو الهرب علّ قدرهم يتوافق مع ما خطّطوا له، فيما آخرون لا يفعلون أكثر من ترداد عبارة «الله الحامي».
الشارع أأْمن
تهجرُ الكثير من العائلات في محافظة طرطوس منازلها مساءً، لتَنقل إقامتها إلى الشوارع خوفاً من حدوث أيّ زلزال أو هزّة. يتوجّه أفرادها إلى الحدائق والساحات العامّة محضِرين معهم أغطية للنوم وطعاماً للعشاء، وطَبعاً ما يَلزم لـ"المتّة والأركيلة". يساعدهم على هذا «الإجراء الاحترازي» الطقس الدافئ الذي أفرغ كلّ ما لديه من برودة يوم كارثة 6 شباط. يتبادل هؤلاء الأحاديث من دون قلق، مطمئنّين إلى أطفالهم النائمين بعيداً عن أسقفٍ قد تنهار، ومتناوبين على السهر حتى يبدأ فجر يوم جديد، فيعودوا إلى بيوتهم ومتابعة نشاطاتهم اليومية.
تقول أم عاطف، لـ«الأخبار»: "نعلم أن الزلزال قد يحدث في أيّ وقت من النهار، لكنّنا في البيت غير قادرين على النوم، نخاف من حدوث زلزال ونحن نائمون، نحن بحاجة إلى وقت من الراحة لا نفكّر فيه في إمكانية سقوط السقف على رؤوس أولادنا". أمّا ريم (29 سنة) التي استجابت عائلتها لرغبتها في مغادرة المنزل خوفاً من حدوث أيّ طارئ، فهي لم تختر الشارع، بل قصدت "شاليه" أحد أقاربها على البحر، بعد أن قضت وأفراد أسرتها عدّة أيام في السيارة. تقول الشابّة: "لا أدري من أين يأتي الخوف الذي ينتابني عندما أَدخل المنزل، أَنظر إلى الأبنية وأتخيّلها ركاماً، عيناي معلّقتان طوال الوقت بالسقف، فكان الحلّ بالابتعاد عن الحيّ واختيار مكان جديد نَخرج منه بأقلّ الأضرار إنْ حدث زلزال".
من الطبيعي أن تعيق حالة الصدمة الحادّة مسيرة الحياة الاعتيادية لفترة من الزمن
حقيبة الهروب
كانت دمشق من المحافظات الأقلّ تأثّراً بضرر الزلزال، إلّا أن العديد من سكّانها حاولوا العمل بمبدأ «الاحتياط واجب»، تطبيقاً لنصائح انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في ما يخصّ التعامل مع الزلازل والهزّات وما بَعدها. إذ وضعت دارين (أمّ لثلاثة أطفال) عبوة ماء مع كيس تمر في كلّ غرفة من غرف المنزل، في النقاط التي خطّطت للاحتماء بها مع صغارها عند الشعور بأيّ اهتزاز. تقول: "عدّلتُ من ترتيب الغرف وأماكن النوم بعيداً عن النوافذ، أبعدتُ كلّ الأشياء القابلة للسقوط من الرفوف وفوق الأثاث، جهّزتُ أغطية بالقرب من الباب في حال اضطررْنا للخروج بشكل مفاجئ"، مستدركةً بأن كلّ "هذه الإجراءات قد تكون مجرّد كلام عند وقوع حدث هائل كهذا، ولا تتبقّى لها عندئذ إلّا قدرتها على طلب العناية الإلهية". أمّا عادل الذي يخاف على والدته المريضة في حال حدوث أيّ مكروه، فحضّر حقيبة للخروج السريع، فيها أدوية أمّه وجهازها الطبي وما تملكه من ذهب، إضافة إلى الوثائق الرسمية الأساسية ومبلغ من المال. يقول: "قد يكون الموت أهون الأقدار بالنسبة إليّ، أمّا ما أخافه فهو أن نعلق تحت الأنقاض أو نتشردّ، لا أريد لأمي أن تنام ولو ليوم واحد في الشارع أو خيمة أو مركز إيواء".
خوف مرَضي
تشير أخصّائية في علم النفس الاجتماعي، الدكتورة ولاء يوسف، إلى أن "الرهاب الذي يعيشه بعض الأفراد يجعلهم راغبين في إمكانية التحكّم والسيطرة على القلق والاضطراب الذي ينتابهم من جرّاء الأحداث القاسية، فيلجؤون إلى اتّخاذ إجراءات وقائية تُقلّل من توتّرهم وتساعدهم على توجيه مشاعرهم وتحويلها إلى أفعال استباقية أكثر إنتاجية". وتضيف يوسف، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه "من الطبيعي أن تعيق حالة الصدمة الحادّة مسيرة الحياة الاعتيادية لفترة من الزمن، ما يجعل بعض الأفراد يقومون بإدخال تغييرات على أنماط حياتهم بعد الزلزال، غير أن الحالة قد تتحوّل إلى خوف مرَضي إذا ما تجاوزت الحدّ الطبيعي؛ من حيث المبالغة في تقدير المواقف وعدم التعامل والتكيّف معها بأسلوب مناسب".