(زكريا حجازي/ موقع العهد الإخباري)
لم تستثنِ الأزمة الاقتصادية في لبنان أحدًا، ضربت كل القطاعات وطالت حتى المهن الإنسانية، وعلى رأسها الطب.
"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، عبارة تتردّد على ألسنة الناس، في كل مكان، وخاصة على أبواب المستشفيات والعيادات الطبية، تُعبّر عن واقع الناس وتدفعهم ليتذمّروا من ارتفاع الأسعار الذي طال الطبابة والاستشفاء بشكل غير محمول.
مؤخرًا، حدّدت نقابة الأطباء بدل المعاينات الطبية على الشكل التالي:
- معاينة الطبّ العام: بالليرة اللبنانية ما يوازي 20 دولارًا أميركيًا.
- معاينة طبّ الاختصاص: بالليرة اللبنانية ما يوازي 25 دولارًا أميركيًا.
قليلون هم الأطباء الذين التزموا بتعرفة النقابة. بعض الأطباء حدّدوا تعرفة معايناتهم داخل عيادتهم الخاصة بـ 100 دولار. أطباء آخرون كانوا قبل الأزمة وما زالوا يتقاضون ما بين 90 و100 دولار عن المعاينة أو حتى الاستشارة، رغم الأزمة وأوضاع الناس المتدهورة.
أحد مستشفيات العاصمة حدد 80 دولارًا للمعاينة في عياداته الخارجية، في حين أن بعض الأطباء في المستشفى نفسه حدّدوا تعرفة معاينتهم بما بين 30 و40 دولارًا بحجة أن عيادته داخل المستشفى مستأجرة وبالتالي فإن جزءًا من التعرفة يذهب إلى المستشفى.
اختلط الحابل بالنابل اذًا ولم يعد يعرف المواطن أين يتوجه: عيادات المستشفيات؟ العيادات الخاصة؟ المستشفيات؟ المستوصفات؟ أم يلجأ إلى الطب والدواء البديل أو يتآخى مع مرضه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
الوضع المالي والاقتصادي الضاغط دفع الكثير من المرضى للبحث عن الأقل تكلفة، ما شكل ضغطًا على بعض المستشفيات والمستوصفات كما هو الحال في مستشفى الرسول الأعظم (ص) حيث تم تحديد بدل المعاينة بـ600 ألف ليرة للمريض المضمون، فيما حددت الهيئة الصحية الإسلامية بدل تعرفة المعاينة في مراكزها بـ500 ألف ليرة للمضمون و200 ألف ليرة لغير المضمون.
أمام هذا الواقع، يلفت نقيب الأطباء السابق الدكتور شرف أبو شرف في حديث لموقع "العهد" الإخباري، إلى أن تحديد النقابة تعرفة المعاينة هو الحدّ الأدنى وليس الحد الأعلى، موضحًا أن النقابة لا تفرض على الطبيب تعرفة ملزمة له، ولا تملك قوة قانون لفرض تعرفة محددة.
لا يوافق أبو شرف على أن عدد الأطباء الذين التزموا بتعرفة النقابة قليل، ويؤكد أنه وفقًا لمعلوماته أن كثيرًا من الأطباء التزموا بتعرفة النقابة، بل إن هناك أطباء لا يتقاضون بدل أتعابهم إذا عرفوا أن المريض غير قادر على الدفع، أو يتركون له أن يدفع ما يقدر عليه.
أبو شرف يُشير إلى أن الأطباء مثلهم مثل بقية الناس فالأزمة لم تستثنهم فهم يعانون كما يعاني الآخرون، ويتوقّف عند مشكلة أخرى في الجسم الطبي وهي النزف والهجرة إلى الخارج بسبب الأزمة، ويؤكد أن أكثر من 3500 طبيب غادروا لبنان، بينهم كفاءات عالية وأصحاب اختصاصات نادرة يحتاجها لبنان.
ويعطي أبو شرف مثلًا في اختصاص طب قلب الأطفال كان يوجد في لبنان 10 أطباء في هذا الاختصاص، ولم يبق منهم الآن سوى خمسة أطباء، أما في اختصاص جراحة قلب الأطفال فلا يوجد سوى طبيب واحد وطبيب آخر يعمل أسبوعًا في لبنان وأسبوعًا في الخارج.
ويضيف: "أنا أتخوف من هذا النزف بالهجرة إلى الخارج، والتي سبّبت مشكلة كبيرة في القطاع الطبي والاستشفائي".
وعن لجوء البعض إلى الطب أو الدواء البديل في ظل ارتفاع كلفة الطبابة والاستشفاء يقول أبو شرف إن المريض ليس مجبرًا على بالذهاب إلى المستشفيات التي تتقاضى أجورًا مرتفعة يمكنه أن يذهب إلى الأقل تكلفة، مشيرًا إلى أن هناك مرضى يفضلون عدم الذهب إلى المستشفى إلى أن يتفاقم وضعهم.
ويناشد أبو شرف المسؤولين العمل على إيجاد حل سريع للأزمة، مؤكدًا أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع فإن الوضع سيكون خطيرًا جدًا وعلى كل الأصعدة.
وفي الختام، يوجّه أبو شرف نداءً للأطباء في لبنان للأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري الذي نعيشه إنسانيًا وعمليًا.