أكد خبراء وأخصائيو أوبئة أن جائحة كورونا رفعت أعداد المصابين بداء السل، فيما أدت الإغلاقات التي نفذتها الحكومة إلى انخفاض نسبة التبليغ عن حالات الإصابة بهذا المرض بنسبة 20 %، فضلا عن تعثر السياسات والاستراتيجيات المتعلقة به، وضعف التمويل المالي المخصص له لحساب كورونا.
وأشار هؤلاء في تصريحات منفصلة لـ”الغد” إلى أن الالتزام السياسي بمكافحة السل انحدر الى مستويات كبيرة، داعين الى اعادة الثقة في إجراءات مكافحة السل، وكذلك اعادة النظر في استراتيجيات السيطرة على المرض.
وشدد هؤلاء على ضرورة توفير مراكز متخصصة بمرض السل، والفحوصات المتعلقة به، وايجاد استراتيجية عربية موحدة للقضاء عليه، مشيرين الى ان حالات التبليغ انخفضت من 7 ملايين حالة العام 2019 الى 5.5 مليون حالة في العام 2021 ما يؤكد وجود مليون اصابة تنشر المرض في العالم.
وأشاروا الى ان مرض السل الذي يصنف “المرض الثالث عشر الاخطر عالميا” جاء الآن ليشكل الثاني بعد كورونا.
وفي السياق، قال خبير منظمة الصحة العالمية الدكتور خالد ابو رمان لـ”الغد” إن اغلاقات كورونا التي نفذتها دول العالم ساهمت في تزايد انتشار مرض السل، سواء في العالم أو في الاردن، ما ادى لزيادة معدلات الوفيات.
وتابع أبو رمان أن الاغلاقات رفعت اعداد الوفيات السنوي من مليون و100 الف شخص في العام 2020، الى مليون ونصف المليون شخص سنة 2021، وهذه هي المرة الاولى منذ عشرين عاما التي يرتفع فيها معدل الوفيات بسبب جائحة كورونا، جراء انتقال المرض عبر التنفس.
ولفت الى ان نقص حالات التبليغ بمعدل مليون حالة سنويا، ساهم بإعادة انتشاره، فضلا عن ان المرض اصبح ليس ذا أولوية، ما أثر على المخصصات المالية المرصودة له لحساب مكافحة كورونا، فضلا عن انخفاض الالتزام السياسي وتعثر استراتيجيات مكافحته.
وبين ان منظمة الصحة العالمية شعرت بنقص التبليغ للسل بنسبة 20 % سنويا، ما حدا بفريق من المنظمة إلى الكشف على الدول التي كانت تسيطر على المرض مثل الاردن، لتجد ان انشغال الحكومات بمكافحة كورونا جاء على حساب مكافحة مرض السل.
ولفت الى ان المنظمة تحاول هذا العام وقف كافة الاجراءات الانسحابية لدى الدول من مكافحة السل، واعلان شعار لليوم العالمي للسل الذي صادف الرابع والعشرين من شهر آذار (مارس) الحالي، بعنوان “نعم يمكننا القضاء على السل”.
ودعت المنظمة جميع الاطراف لأخذ المبادرة والسيطرة على الاوضاع واعادة العمل بالاستراتيجيات، ورفع معدلات التبليغ عن الحالات.
وزاد أبو رمان: “في العام 2019 كانت حالات التبليغ نحو 7 ملايين حالة إصابة، وانخفضت في العام 2020 إلى 5.5 ملايين بنسبة 20 % ما يعني ان هناك نحو مليون اصابة غير مكتشفة عالميا وتنقل العدوى.
ودعا الى اعادة الثقة في إجراءات مكافحة السل وفي استراتيجيات الدول المسيطرة على المرض، ومن بينها الأردن.
أردنيا، شدد ابو رمان على اعادة الالتزام السياسي ببرنامج مكافحة السل، وزيادة التعاون مع منظمة الصحة العالمية، وتطبيق الاستراتيجية الوطنية للقضاء على السل وإنهائه كمشكلة وطنية، لافتا الى ان البرنامج الاردني مؤهل ولديه الخبرات والطاقات لهذه الغاية.
بدوره، قال استشاري الامراض الصدرية والتنفسية والعناية الحثيثة وامراض النوم، الدكتور محمد حسن الطراونة لـ”الغد” إننا في الأردن “نحتاج الى اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لتطوير الجهود لمكافحة مرض السل، وعلى رأس هذه الاجراءات أن يكون لدينا مركز متخصص لتشخيص ومعالجة المرضى.
وتابع الطراونة: “ينبغي أن يكون المركز منفصلا ومتبعا لكل الشروط والاجراءات الاحترازية لمثل هذه الحالات، وان يكون تحت اشراف اطباء اختصاص في امراض الصدرية ولديهم خبرة في التعامل مع مرضى السل”.
وأكد ضرورة ان تكون هنالك تشاركية بين القطاعات الصحية، سواء القطاعات الجامعية او العسكرية او الخاصة، لوضع بروتوكول وطني من أجل ان تكون هناك جهود منسقة للتصدي لمثل هذا المرض.
وشدد على ضرورة ان يكون هنالك تعاون من قبل المركز الوطني لمكافحة الاوبئة من خلال وضع استراتيجية وطنية لمكافحة السل بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، وذلك بغية وجود دعم مالي، لضرورة توفير علاجات، ولتوفير التشخيص والكوادر.
ودعا الجهات الصحية لتوفير مبنى مخصص يراعي جميع الشروط الصحية للتعامل مع مرضى السل، من اجل تشخيصهم ومتابعتهم، وحتى لا تحدث مضاعفات او ارتفاع في أعداد الإصابات.
واضاف الطراونة ان “المريض الذي لا يتم تشخيصه بمرض السل يمكن ان ينقل العدوى الى حوالي عشرين شخصا خلال مدة عام، وهنالك حالات من السل الكامن التي تحتاج الى تشخيص والعلاج”.
ونوه بأن السل يعد المرض الثالث عشر في أسباب الوفاة حول العالم، وينتقل عن طريق الاتصال المباشر من خلال ملامسة الرذاذ الخارج من الجهاز التنفسي للأشخاص المصابين فيه، ويعد من الامراض القديمة وهو المرض الأخطر بعد كورونا في العالم حاليا.
أما أستاذ ورئيس قسم الصدرية في القصر العيني بجامعة القاهرة السابق، الدكتور أيمن السيد سالم، فأكد أهمية وجود بروتوكول واستراتيجية عربية لمكافحة مرض السل لدعم جهود التخلص منه.
وأوضح سالم، أن الدرن أو السل، هو مرض ميكروبي معد وخطير، وليس مرضا حديثا، ويعود تاريخه إلى عصر الفراعنة، حيث تبينت آثار إصابتهم بمرض السل عن طريق العمود الفقري للمومياء الخاصة بهم.
وقال إنه لطالما شكل السل واحدة من مشاكل الصحة العامة الخطيرة، منذ زمن بعيد وحتى اليوم.
وتابع: “بدت ملامح الانتصار على المرض، لكن، وبسبب استمرار وجود العديد من عوامل خطر الإصابة بالسل، مثل غياب الخدمات الصحية المناسبة، أو ضعف المناعة الناجم عن الإصابة بالإيدز، أو تطور المقاومة تجاه الأدوية، وانتشار الفقر المدقع في مناطق عديدة من العالم.. وما يزال المرض منتشرًا بشكل مميت حول العالم”.
أما عن طرق تشخيصه، فأكد سالم أن مصر لديها أجهزة حديثة تستطيع التعرف على المرض عبر الحمض النووي، ويستغرق الفحص ساعتين فقط، كما توجد تحاليل يمكن عبرها إعادة تكوين الحمض النووي للتعرف على وجود الميكروب المسبب للدرن أو السل، ويمكن اللجوء أيضا لعمل مزرعة بكتيرية والتي تستغرق وقتا أطول قد يصل إلى عدة أسابيع.
وحول طرق علاج السل، أكدا أنه يجري تناول 4 مضادات حيوية كجرعة واحدة يومياً مع تناول فيتامين (ب)، لافتاً إلى أن هناك أنواعا منه لا تستجيب للعلاج بالمضادات الحيوية، وفي هذه الحالة تختلف خطة العلاج بعد إجراء المزرعة البكتيرية، والفحوصات التي تبين لنا الطريقة المثلى للقضاء على هذا المرض.