منذ سبعة أشهرٍ، لم يحصل بشار الصعيدي على دوائه من مركز الأدوية في الكرنتينا، وهو ما لم يصادفه منذ خضوعه لعملية زرع كلية قبل 16 عاماً، ولا حتى في عزّ أزمة الدواء. فقد بقيت أدوية زرع الكلى، ومنه دواؤه néoral، متوافرة في المركز، ولو بـ«الحبّة والحبتين». اليوم، يحمل ملفّه الطبي كل أسبوعٍ إلى الكرنتينا ليسأل عن دوائه. وهو الملف الذي جدّده محمد للمرة الثانية خلال سبعة أشهر، من دون أن يحظى «ولو بظرف من الدوا». لا ييأس من السؤال، وإن كان يعرف بأن الجواب الذي سيحصل عليه في كل زيارة هو نفسه: «لهلأ ما في شي». إذ لا يجرؤ على قطع تلك الصلة مع الكرنتينا، وخصوصاً أن سعر العبوة «عيار 50 ملغ 4 ملايين و700 ألف ليرة، والعبوة عيار 25 ملغ حوالي مليونين و700 ألف». بحسبة بسيطة، يحتاج بشار الذي يعمل سائقاً إلى 4 علبٍ شهرياً، أي ما يقرب من 15 مليون ليرة، ما عدا أدويته الأخرى.
ليست حالة بشار استثناءً، إذ إن أزمة مرضى زارعي الأعضاء مستمرّة منذ نحو 9 أشهرٍ. وبعدما كانت المعادلة سابقاً أن الموجود لا يغطي كل المطلوب، باتت اليوم أن لا أدوية للزرع إطلاقاً، و«لا نعرف متى توجد». ولئن كانت هذه الأدوية متوافرة في السوق الموازية، إلا أن ما يحول دون شرائها هي أسعارها الباهظة، إذ إن أقلّ سعر يبلغ مليوني ليرة.
في السابق، كانت الأدوية المدعومة للزرع هي 7 أدوية أساسية تضم (كاسمٍ تجاري) «prograf» و«advagraf» و«néoral» و«certican» و«myfortic» و«rapamune» و«cellsept». وتعمل هذه الأدوية على إضعاف الجهاز المناعي لعدم رفض الأعضاء المزروعة. غير أن هذا الدعم لم يسر كما كان مخطّطاً له، أولاً لناحية تأخر المعاملات في مصرف لبنان التي كانت تتسبّب بتأخير وصول الأدوية، وثانياً لأن ما يصل لم يكن يسدّ الحاجات. لذلك، بدأت وزارة الصحة مرحلة «التقشّف»، واعتمدت مبدأ ترشيد الدعم الذي طال في البداية الأدوية التي لها بدائل محلية، ما أخرج دواء «cellsept» من لوائح الدعم. ولكن حتى هذا الامتياز لم يُعفِ الدواء من الانقطاع بسبب عدم قدرة المصانع المحلية على تلبية المطلوب. أما ما بقي ضمن لوائح الدعم، فلم يكن مصيره أفضل، وخصوصاً مع المعادلة التي رافقت الدعم منذ بداياته وهو أن «كل مدعوم مفقود»، وهو ما انطبق على معظم تلك الأدوية، حيث كان الانقطاع شبه دائمٍ فيها.
اليوم، لا يملك كثير من العاملين في مركز الأدوية في الكرنتينا معلومات «عما هو باقٍ ضمن لوائح الدعم، إذ لم نعد نتبلّغ ما الذي رفع عنه الدعم وما الذي بقي». ما يعرفه هؤلاء هو أن «دواء advagraf لا يزال مدعوماً كونه يدخل ضمن نظام التتبع Meditrack لكنه مقطوع، وprograf موجود بكميات قليلة لا تسدّ الحاجة، وهو أتى عبر منظمة الصحة العالمية كهبة وليس عبر الوكيل، أي لم نشتره نحن كوزارة». أما البقية «فلا نعرف إن خرجت من الدعم أو لا». إلا أن الأنكى أن معظم هذه الأدوية متوافرة في السوق لأن الوكيل «يفضّل أن يزوّد السوق بالأدوية ويقبض بدلاتها فريش وليس مستعداً للبقاء ولو للحظة واحدة ضمن دوامة الدعم».
«إعدام جماعي». بهذه العبارة، يختصر أحد العاملين في المركز الواقع اليوم، إذ إن انقطاع زارعي الأعضاء عن أخذ تلك الأدوية يعني الموت، وخصوصاً في ظل عدم قدرتهم على شرائها وفق أسعار السوق الموازية.