(جريدة القبس الكويتية)
مع بدء أولى مراحل العودة إلى الحياة الطبيعية، تزداد التحذيرات من موجة ثانية من وباء «كورونا»، وأصبح مصطلح «الموجة الثانية» الأكثر تردداً، في حين أن الموجة الأولى لم تنته بعد، لاسيما بعد أن خلص باحثون في جامعة برينستون الأميركية، في دراسة نشرتها مجلة ساينس العلمية، إلى أن الحر في فصل الصيف لن يكون كفيلاً وحده بإنقاذ النصف الشمالي من الكرة الأرضية من الوباء، على عكس ما قالته دراسات سابقة، أقامت رابطاً طفيفاً بين المناخ والوباء، موضحة أنه كلما ارتفعت الحرارة والرطوبة تراجع انتشار الفيروس.
المعدّة الرئيسة للدراسة رايشتل بايكر، الباحثة في جامعة برينستون، قالت إن المناخات الأكثر حراً ورطوبة لن تبطئ الفيروس في المراحل الأولى من الجائحة، وإن الفيروس سينتشر بسرعة، مهما كانت الظروف المناخية، وفي ظل غياب إجراءات الوقاية أو اللقاح، سيصيب الفيروس تدريجاً جزءاً أكبر من الناس، وبعد ذلك قد يصبح موسمياً، مثل الفيروسات الأخرى من العائلة نفسها.
تداعيات جيوسياسية
وعلى الرغم من أن فوبيا الإصابة بالفيروس لم تعد كما كانت في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، فإن الطابع الجيوسياسي سيحكم المخاوف من المرحلة المقبلة، سواء تم إيجاد علاج لوقف الوباء أم لا.
وفي هذا الإطار استعرضت مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية، في تقرير أعده توم ماكتيغ، أكثر السيناريوهات السياسية التي يخشاها العالم، موضحة أن من بينها التخلف عن سداد الديون، فمع ثقة أغلب دول أوروبا في أنها تجاوزت الجزء السيئ من الجائحة، فإنها تخشى فرص عودة ظهوره من جديد، لكن بدأت تحديات أخرى تتصاعد من النوع الاقتصادي والسياسي والعسكري.
وقال ماكتينغ إنه «بمجرد أن تبدأ أوروبا وأميركا في الشعور بأنهما قد بدآ بالسيطرة على الفيروس، يستوطن الوباء في الدول النامية، ولأن الدول الأغنى ستكون مُستنزفةً، وغارقةً في الديون، وتستميت لإنعاش اقتصادها؛ فستكون يد العون التي تمدها لتلك الدول بطيئةً جداً»، متوقعاً أنه «نتيجة للذعر، ستحدث هجرات واسعة جنوبي أوروبا. وفي مكانٍ ما، ستتخلف دولة ما عن سداد ديونها لمؤسسات مالية غربية. ولكن القلق الحقيقي يبقى حول المكان الذي ستضربه هذه الموجة، في ظل تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ التجارة بشكلٍ ملحوظٍ، واتساع الصدع البنيوي بين شمال وجنوب أوروبا».
الأنظار على روسيا
ومن بين المخاوف ما يتعلق بكيفية تصرف روسيا وقائدها فلاديمير بوتين، وهو خوف تردده بعض أكثر الأصوات تأثيراً في دوائر السياسة الخارجية البريطانية، التي تخشى أن تكون أوروبا قلب الموجة الثانية من «كورونا».
أستاذ الدراسات الدفاعية في جامعة كينغز كوليدج بلندن، المستشار الخاص السابق للجنة القومية البريطانية للاستراتيجيات الأمنية، مايكل كلارك، يرى أن روسيا التي ضعف اقتصادها بعد انهيار أسعار النفط، تُمثل خطراً أكبر على المصالح الأمنية الغربية، وقد يزيد جشعها العدواني وترى فرصةً لاختبار عزم حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويقلق كلارك تحديداً: «من قوسٍ من عدم الاستقرار يمتد من غرب أفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى آسيا، حيث أجبرت النزاعات العديد من السكان على الفرار خلال السنوات الماضية، وبعض التسوية مع الصين يظل احتمالاً راجحاً لبعض هذه الدول».
وبالنسبة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها من الاقتصادات الأوروبية الكبرى، التي تحاول الاستمتاع بمظلة الحماية العسكرية الأميركية، والإبقاء على علاقاتٍ تجاريةٍ جيدةٍ مع الصين، فربما لن تزداد تداعيات خطاب إدارة الرئيس دونالد ترامب المناهض للصين إلا صعوبةً. وسيكون على دولٍ مثل بريطانيا التفكير في رؤاها الاستراتيجية وسط تحديات حاصلة بالفعل سيُسرّعها الوباء، مثل تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين.