بعد عقود من انتشار وباء الإيدز في العالم، هناك مرض آخر ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي آخذ في الانتشار بشكل متزايد في الولايات المتحدة: إنه مرض الزهري، وبشكل أكثر تحديدا "الزهري الخلقي"، والذي يصاب به الأطفال حديثو الولادة، حيث تنتقل العدوى إليهم عندما كانوا أجنة في الرحم.
الأطباء يشعرون بالإحباط بسبب هذا المرض. فالأطفال الرضع يولدون وهم يعانون من صعوبة في التنفس، لأن الرئتين امتلأتا بالمخاط. وفي إحدى الحالات عندما اكتشف الأطباء إصابة رضيعة بعدوى مرض الزهري بعد عدة اختبارات، أعطوا الطفلة أربعة أسابيع كحد أقصى. وبمجرد تشخيص إصابتها بالمرض، تم نقلها على الفور إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، وتلقت علاجا، عن طريق الوريد، بالمضادات الحيوية لمدة أسبوعين.
الفتاة الصغيرة، التي تعيش الآن حياة طبيعية كطالبة في الصف الأول الابتدائي، لا تفهم بالضبط ما الذي يضايقها، ولكنها تتألم باستمرار. تعاني الطفلة من التهاب في الحلق وحمى وتضخم في الغدد الليمفاوية وإرهاق شديد، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لطفلة نشيطة في مثل سنها. كما حذر الأطباء والديها من احتمال أن تستمر الأعراض مدى الحياة، وقد تعود العدوى، وقد يؤثر المرض على أعصابها أو بصرها في مرحلة البلوغ.
وعلى الرغم من أن الأعراض مزعجة، إلا أن هذه الفتاة تعتبر محظوظة، مقارنة بالكثير من الأطفال الذين يولدون ولديهم إصابة بمرض "الزهري الخلقي"، حيث يعيشون لبضعة أسابيع فقط.
وبحسب معاهد الصحة الوطنية التابعة للإدارة الفيدرالية الأمريكية، فقد زاد عدد الأطفال، الذين يولدون ولديهم هذه العدوى، سبعة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية، ولا يزال الارتفاع مستمرا. العلماء يؤكدون أن هذا الأمر يمكن الحد منه، إذا ما عولج مبكرا. ولكن فرصة الحصول على هذه الرعاية المبكرة ليست متوفرة دائما للأطفال الفقراء.
والمهم في الأمر هو توعية النساء الحوامل بضرورة الخضوع للفحوصات اللازمة في مرحلة مبكرة والاستجابة الفورية في حالة وجود إصابة.
وجود نص قانوني بالخضوع لفحص بشأن مرض الزهري للحوامل كما في ألمانيا، أمر ليس موجودا في جميع الولايات الأمريكية. ومع ذلك، إذا تم إجراء الفحص قبل 30 يوما على الأقل من موعد الولادة وعولجت الأم بالبنسلين، "فإن احتمال نقل الأم لبكتيريا العدوى إلى طفلها ينخفض بنسبة 98 بالمائة"، كما يقول روبرت ماكدونالد، مدير قسم الأمراض المنقولة جنسيا، في معاهد الصحة الوطنية التابعة للإدارة الفيدرالية الأمريكية. وإن وجود إصابة بهذا المرض يزيد من خطر حدوث الولادة المبكرة أو حتى ولادة الجنين ميتا، وفق الطبيب ماكدونالد.
عدوى الأمراض المنقولة جنسياً تنتشر في المناطق الأكثر فقرا
توجد معظم الإصابات بالأمراض المنقولة جنسيا في الولايات الجنوبية من أمريكا، وهي الأكثر الأفقر، حيث تكون الرعاية الطبية في كثير من الأحيان رديئة. وفي ولاية ميسيسيبي لوحدها، ارتفع عدد الأطفال حديثي الولادة المصابين بمرض الزهري بنسبة 3300 في المائة، وفي أوكلاهوما بنسبة 3000 في المائة بين عامي 2016 و 2021. كما زادت الإصابات، في العديد من الولايات الأخرى، بأكثر من عشرة أضعاف خلال نفس الفترة.
ويشير الخبراء إلى أن سبب ذلك يعود، من ناحية، إلى نقص التعليم عند النساء الحوامل كأحد الأسباب. ولكن الإشكالية الأخرى تتمثل في أن البرامج الصحية الحكومية لا تستثمر بشكل كافٍ في علاج والوقاية من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي.
فقد وجدت دراسة أمريكية أن تمويل الأبحاث الخاصة بالأمراض المنقولة جنسيا وعلاجها قد انخفض بنسبة 40 في المائة خلال السنوات العشرين الماضية. أضف لذلك أنه خلال جائحة كورونا، أُعيد تخصيص الأموال العامة، التي كانت تُستخدم سابقا لمكافحة مرض الزهري، لتطوير لقاحات وعقاقير ضد فيروس كورونا.