(جريدة الأخبار اللبنانية)
منذ بدء انتشار فيروس كورونا، تُثار في لبنان، كما في بقية دول العالم، أسئلة حول الأداء الحكومي في مواجهة الوباء وتداعياته. من أكثر الأسئلة المثارة، تلك المرتبطة بكيفية تعامل الدولة مع مواطنيها الراغبين في العودة إلى بلادهم. في لبنان، المشكلات لا تشبه ما هو موجود في الدول الأخرى، من «تجارة التذاكر الباهظة» التي تقوم بها شركة «ميدل إيست» وعدم تركها مقاعد فارغة بين العائدين، الى عدم قدرة هؤلاء على سحب المبالغ بالدولار من المصارف، وغياب تغطية الحكومة في بعض الحالات لليلة الحجر الأولى التي أُلزِموا بها في الفنادق من ضمن سعر التذكرة... بعد الجولة الأخيرة من إعادة لبنانيين من الخارج، ومخالفة بعضهم تعهدات الحجر الطوعي التي وقّعوا عليها، ما أدى إلى ارتفاع الإصابات بالفيروس، أثيرت مجدداً مسألة الحجر الإلزامي على حساب الدولة. ولكن، كيف تصرّفت بقية دول العالم، وتحديداً تلك التي شهدت أكبر عمليات إجلاء لمواطنيها، وبعشرات الآلاف؟
في بداية انتشار فيروس كورونا، «تكفّلت» الدول بتأمين طائرات لإجلاء مواطنيها، وخصوصاً الطلاب منهم، ولا سيّما من الصين، وإعادتهم إلى بلادهم وتأمين أماكن مخصّصة لعزلهم على نفقتها الخاصة، سواء في فنادق استأجرتها أو مراكز صحية أو في قواعد عسكريّة. في مرحلة لاحقة، بعدما وصل الفيروس إلى معظم بلدان العالم، باتت أعداد الراغبين في العودة بالملايين، لكن وفق شروط جديدة. إجراءات العودة التي اعتمدتها الدول تُبيّن أن معظمها حمّل العائدين كلفة الحجز على الطائرات التجاريّة... «الإجلاء المدفوع»، جاء بعد نقاشات داخل الحكومات لناحية كلفة هذه العمليّة على الخزينة. الفارق الأبرز، أن عدداً منها ألزم العائدين بالحجر الإلزامي وعلى نفقتهم الخاصة لمدة 14 يوماً كاملةً تحت رقابة الدولة. والفارق الثاني، الأهم لناحية ضمان سلامة السكان، أن حجر العائدين يبدأ بفحص PCR أوّل وينتهي بفحص ثانٍ إلزامي، حتى لو لم يكن الشخص يحمل عوارض المرض، قبل أن يُسمح له بمخالطة مواطنيه لضمان عدم تشكيله خطراً عليهم.
في الهند مثلاً، التي تقوم بعمليّة إعادة كبرى انقسمت إلى مرحلتين، كان وزير الطيران المدني الهندي هارديب بوري صريحاً، إذ أعلن أن «المسافرين سيتحمّلون تكاليف الرحلات لأنها خدمة تجارية يتم تنفيذها في ظروف خاصة». في المرحلة الأولى، أعادت الهند 15 ألفاً من مواطنيها من 12 بلداً، بين 7 و13 الجاري، بينما تبدأ المرحلة الثانية بين 16 و22 الجاري، لـ 149 رحلة إضافية من 31 بلداً. بوري شدد على أن «الخزينة ليس لديها القدرة على تحمّل كلفة إعادة أكثر من 200 ألف هندي عالقين في الخارج»، لافتاً الى أنه «إذا لم يكن هناك رسمٌ للعودة، فإن أعداد الأشخاص الذين سيودّون العودة ستكون أكثر بكثير».
إجراءات الهند لإعادة رعاياها منعت حاملي الفيروس من دخول الطائرات. إذ توجّب على الراغبين في العودة إجراء فحص قبل الرحلة، وفحص ثانٍ عند الوصول إلى وجهتهم في الهند، حيث يتسجّلون في تطبيق إلكتروني. وأشار بوري إلى أن العائدين «سيخضعون لعزل إلزامي لمدة 14 يوماً، إما في المستشفى أو في الحجر الصحي المؤسّسي المدفوع، تحت إِشراف حكومة الولاية المعنيّة». وذكرت «The Indian Express»، في تقرير نشرته في 11 الجاري، أن العائدين إلى مدينة بوني الهندية «سيتم وضعهم تحت الحجر المؤسّسي، في أربعة فنادق جرى التعاقد معها، حيث سيتوجّب عليهم دفع تكاليف إقامتهم خلال فترة الحجر».
في الولايات المتحدة، التي تعرّضت حكومتها ووزارة خارجيّتها للانتقاد بسبب تأخرها في الاستجابة لإجلاء الأميركيين بداية الأزمة، نظّمت وزارة الخارجية «عودة نحو 72 ألف أميركي على متن 750 رحلة من 127 دولة وإقليم، حتى نهاية نيسان»، بحسب «فوربس». رحلة الإجلاء الأولى من ووهان (الصين)، جرت أواخر كانون الثاني الماضي. حطّ القادمون في قاعدة عسكريّة جويّة في جنوب كاليفورنيا. لكن، عندما أصبحت رحلات العودة متاحة، «ارتدع بعض المسافرين بسبب الكلفة»، وفق تقرير لـ«فوربس» نُشر في 10 نيسان الماضي، ذكر أنه «بحسب وزارة الخارجية، يشترط قانون الولايات المتحدة تقديم مساعدة المغادرة لمواطنيها على أساس السداد إلى أقصى حد ممكن عملياً»، ويضيف مايكل غولدشتاين كاتب التقرير أن «الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ملزمون بسداد كلفة نقلهم عبر وسائل النقل التي نسّقتها الحكومة الأميركية. ويُفترض بالعائدين بوسائل النقل المنسّقة من قبل الحكومة، بما في ذلك الرحلات الجوية المستأجرة، التوقيع على فواتير مختلفة». وانتقد التقرير مثلاً، أنه «علاوة على احتمال دفع مبلغ 1500 دولار لرحلة عودة قد تكون كلفتها في الأصل 700 دولار، فإن الشخص الذي تم إجلاؤه ووجهته سياتل قد ينتهي في رحلة إلى ميامي... فيما يكون النقل داخل الولايات المتحدة على مسؤولية الشخص ونفقته».
«الإجلاء المدفوع» جاء بعد نقاشات داخل الحكومات لناحية كلفة هذه العمليّة على الخزينة
كذلك، أثارت سارة كليف في تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، مسألة مواجهة أميركي عائد من الصين وطفلته لفواتير قاربت 4 آلاف دولار كلفة المستشفى وصور الأشعة والنقل في سيارة إسعاف خاصة. وأشارت إلى أن «الرعاية تتم بتفويض من الحكومة، ولكن ليس واضحاً من يتوجّب عليه الدفع... إذ لا يقولون أي شيء عمّن يدفع الثمن عندما يجري العزل في منشأة طبية غير حكومية أو عندما يتم نقلهم إليها من قبل شركة إسعاف خاصة».
أما الصين التي قدّمت نموذجاً استثنائياً في محاصرة الفيروس، فإن إجراءاتها لناحية الإعادة والحجر كانت الأكثر صرامة... وذلك، بعدما تبيّن «أن 70% من الحالات التي دخلت البلاد وظهر أنها تحمل الفيروس تمّ تشخيصها والإبلاغ عنها أثناء الحجر الصحي الإلزامي»، وفق وكالة «شينخوا» الصينيّة. لذلك عمدت الدولة إلى إلزام القادمين بالحجر، كما أعلن وانغ بين من لجنة الصحة الوطنية في 13 نيسان الماضي، أنه «سيتمّ إرسال الحالات المؤكدة والمشتبه فيها والأشخاص الذين يعانون من أعراض مثل الحمى إلى المرافق الطبية للحجر الصحي والعلاج، فيما يتمّ إخضاع من كانوا على اتصال وثيق بهم للمراقبة الطبيّة والعزل في مرافق محدّدة لمدة 14 يوماً». أما الحالات «غير المصحوبة بأعراض فيتم عزلها أيضاً لمدة 14 يوماً، ولا يمكنهم مغادرة المنشأة إلا بعد اجتياز اختبارَين للفيروس»، في حين يُلزم «المسافرون الآخرون بالذهاب إلى منشأة الحجر الصحي، لكنّهم يختارون طواعية إجراء اختبار الفيروس على نفقتهم الخاصة».