قبل أسبوعين توفي شاب يبلغ من العمر 32 عاماً بعد إصابته بحادث سيرٍ، دخل إثره في غيبوبة امتدت شهراً ونصف شهر، قضاهما في غرفةٍ للعناية الفائقة في أحد مستشفيات بيروت، قبل أن تبدأ حالته بالتحسّن. غير أن الشاب سرعان ما توفي بعد 10 أيام بسبب «عدوى بكتيرية» أدّت إلى التهاب جروحه، وترافقت مع حرارة مرتفعة. ورغم أن الإصابة بعدوى بكتيريا المستشفيات، أو ما يُسمى الـ«سوبر بكتيريا»، ليست أمراً نادراً، خصوصاً مع مكوث المريض فترة طويلة في المستشفى، إلا أن أفراد عائلة الشاب ينقلون مشاهد «غريبة»، كأن يُستقدم عمال لطلاء أبواب الغرف أثناء وجود المرضى فيها، أو إدخال عامل التنظيفات حاوية النفايات إلى داخل غرفة العناية بدل تركها في الممر، أو استخدام ساتر من القماش لفصل سريرين عن بعضهما داخل غرفة «العزل»، في حين أنّ مفهوم العزل قائم على وضع المريض منفرداً في غرفة عزلٍ ذات «ضغط سلبي»، أيّ إنّها مُصمّمة بطريقةٍ تحول دون خروج الهواء منها.
طبيب الأمراض الجرثومية، النائب عبد الرحمن البزري، يوضح أنّ الـ«سوبر بكتيريا» من «أهم الأوبئة المقاومة للمضادات الحيوية»، وهي ناتجة عن أسباب خارجة عن سيطرة المستشفيات، وأخرى تقع ضمن مسؤولياتها، كالتعقيم الصحيح باستعمال كميات كافية من المضادات، والعزل الصحيح، والحرص على نظافة المكان. علماً أن الممارسة المعهودة في كل مستشفيات العالم في حال اكتشاف هذه البكتيريا، تكون بتغيير وجهة استعمال أي غرفة يثبت وجود البكتيريا على أسطحها، والتخلّص من كل ما هو موجود في المكان، كالأسرّة والمعدات والستائر، واستبدال بلاط الجدران والأرضية... وجميعها إجراءات لا تلتزم بها بعض المستشفيات حالياً بسبب كلفتها العالية، وفق مصدر معنيّ في القطاع.
ورغم أن المستشفيات حدّت من وطأة الأزمة المالية عليها عندما دولرت فواتيرها، وميّزت بين مريض وآخر، ففضّلت من يتلقّى العلاج على نفقته الخاصة ويدفع «كاش» على مرضى الجهات الضامِنة، إلا أن بعضها، وبحجة الأزمة، يشهد «خدمات» غير معهودة، منها مثلاً توفير السرير للمريض مع طبيب معالج، على أن يتولى أهل المريض تأمين المناديل الورقية والمعقّمات والماء، أو تخيير المرضى بين «عرضين»، أحدهما يتضمّن تأمين الأدوية اللازمة للعلاج، والآخر بسعر أدنى يتكفّل فيه المريض بتأمين الدواء من خارج المستشفى! علماً أن بعض الأدوية، تستوردها شركات الأدوية لمصلحة المستشفيات، ويصعب توافرها في الصيدليات، ويتعذّر على المريض تأمينها.
يوم أصرّت المستشفيات الخاصّة على تقاضي بدلات الاستشفاء مباشرة من المرضى بالدولار، هوّلت بانهيار القطاع ما لم تُدولِر فواتيرها، وقدّمت الأمر كشرطٍ للحفاظ على مستوى الخدمات الطّبية التي جعلت من لبنان يوماً «مستشفى العرب». حافظت المستشفيات على أرباحها، ولكن من دون الالتزام بتعهداتها. فحين تتحوّل بعض المستشفيات إلى «لوكاندات» تقدّم الأسرّة فقط لنزلائها، وعندما يعاني عدد منها من نقص في الطاقم التمريضي، وحين يشكو زوارها من قلة النظافة، وحين تُطفأ أجهزة التبريد رغم الحرارة المرتفعة لـ«عدم قدرة المستشفى على دفع ثمن المازوت»... يكون القطاع قد انهار فعلاً.
نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون يقرّ بتراجع مستوى الخدمات في عددٍ من المستشفيات، خصوصاً غير الجامعية، «لكون الأخيرة تتمتّع بقدرات مادية خوّلتها المحافظة على معايير محدّدة، وعلى طواقمها الطبية إلى حدٍّ ما». فيما بقية المستشفيات، «لا تزال ترهقها الصعوبات المالية رغم تقاضي مستحقاتها بالدولار طالما أنّ نفقاتها أيضاً بالدولار، خصوصاً مع تراجع نسبة الدخول إلى المستشفيات بين 40% و50% مقارنة بما كانت عليه عام 2018، الأمر الذي أثّر حكماً على ميزانيات المستشفيات».
يترافق ذلك، وفق هارون، مع «نقص في الكوادر البشرية، في صفوف الممرّضين والعاملين في أقسام الأشعة والمختبر وغيرها، نتيجة الهجرة الكبيرة، ما وضع المستشفيات أمام تحدّي تأمين أيدٍ عاملة تتمتع بالكفاءة نفسها، وهو أمر غير سهل»، مقراً بأنه «في خضمّ الأزمة حصل أن طلبت مستشفيات من المرضى تأمين أدوية معينة مفقودة، فيما ترفض مستشفيات أخرى اللجوء إلى هذا السلوك، ولا تقبل استخدام أي دواء يشتريه المريض لعدم ثقتها بمصدره وجودته». ويلفت هارون إلى أن مسؤولية المراقبة تقع على عاتق وزارة الصحة لكشف مدى مطابقة الخدمات الاستشفائية للمعايير المحدّدة ضمن برنامج «الاعتماد» الذي تعدّه الوزارة مرة كل ثلاث سنوات كمرجع لقياس الجودة في المستشفيات. وأشار إلى أن العمل جارٍ على إعداد البرنامج للمرة الأولى منذ وقوع الأزمة، «لكن يمكن للنقابة والوزارة فتح تحقيقاتٍ بناءً على شكاوى تطاول مستشفى معيّناً»، ناصحاً بـ«مساعدة المستشفيات المتعثّرة بدل إقفالها».