(جريدة الأخبار اللبنانية)
أعلنت شركة «مودرنا» الأميركية للتكنولوجيا الحيوية عن نتائج إيجابية للقاح mRNA-1273 المضاد لفيروس «سارس-كوف-2»، في المرحلة الأولى من التجارب السريرية على البشر، والتي شملت عدداً محدوداً من المتطوّعين في آذار الماضي. وأعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية «FDA» الضوء الأخضر للشركة لبدء تجارب المرحلة الثانية، والتي عادةً ما تشمل مئات الأشخاص. وفي خطوات متسارعة، تُخطّط «مودرنا» لبدء تجارب سريرية واسعة، تُعرف باسم تجارب المرحلة الثالثة، في تموز المقبل.
ثمانية ممّن تطوّعوا لتجربة لقاح mRNA-1273 تبيّن أنّهم كوّنوا أجساماً مضادة Antibodies لفيروس «كورونا»، بكمية مماثلة أو أكثر ممّن تعافوا بشكل طبيعي من الفيروس. ولكن من غير الواضح بعد كيف ستستجيب تلك الأجسام المضادّة عندما يُصاب هؤلاء الأشخاص بفيروس «كورونا»، وهو أمر بالغ الأهمية سيحدّد نجاح اللقاح من عدمه. كما أن نتائج الدراسة، التي أُجريت بقيادة المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة «NIH»، لم تنشر بعد في أي من المجلات العلمية المختصة، ولم تجر مراجعتها من باحثين آخرين في المجال نفسه، وهو أمر أساسي قبل نشر أي دراسة في المجلّات العلمية.
وما يفتح المجال أمام العديد من الفرضيات أنّ لقاح mRNA-1273 ناتج من تكنولوجيا جديدة في الطب، تختلف عن الأسلوب التقليدي في صنع اللقاحات. فسابقاً، كان اللقاح عبارة عن أجزاء شبه ميتة أو ضعيفة جداً من الفيروسات أو البكتيريا نفسها، يُحقن بها الإنسان ليتعرف جهاز المناعة عليها ويكوّن استجابة مناعية ضدها. أما الجديد في هذه التكنولوجيا، فهو أنّ اللقاح لا يحمل أي أجزاء من فيروس «كورونا»، بل يحتوي على جزيئات وُضعت بداخلها تعليمات هي ذاتها الموجودة داخل الفيروس، والتي يستخدمها لصنع بروتيناته الضارّة. تدخل تلك التعليمات إلى خلايا جسم الإنسان، فتبدأ الأخيرة بصنع أجزاء من فيروس «كورونا»، ولكن ليس الفيروس بشكله الكامل، والمدهش أنّ جهاز المناعة يتنبّه لتلك الأجزاء من «كورونا»، ويبدأ بإنتاج استجابة دفاعية لها، ليصبح الشخص الذي أخذ اللقاح محصّناً ضد الفيروس، من دون تعرّضه له بشكل مباشر. ويُعتبر هذا ميزة في التكنولوجيا الجديدة، إذ سيسمح بتقصير مدّة صنع اللقاح ليلبّي الطلب العالمي، من عدّة سنوات إلى أشهر قليلة، بعكس اللقاح التقليدي. ولكن رغم كلّ الإيجابية التي تدور حول اللقاح، إلا أنه يبقى الأول الذي تقدّمه هذه التكنولوجيا، الحديثة وغير المجرّبة مسبقاً، ما يعني إمكانية وجود الكثير من المخاطر غير المحسوبة.
رغم كلّ الإيجابية التي تدور حول اللقاح هناك كثير من المخاطر غير المحسوبة
«مودرنا»، واحدة من ثماني شركات تقوم، حالياً، بتجربة لقاحات ضد «كورونا» على البشر. ثلاث من هذه الشركات موجودة في الولايات المتحدة، وأخرى في بريطانيا، وأربع في الصين. وبينما تستثمر الحكومة الأميركية نحو نصف مليار دولار في مشروع شركة «مودرنا»، فإنّ اللافت أنّ إعلانها للنتائج الأخيرة، جاء بعد أيام قليلة على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاق عملية Warp Speed التي تهدف إلى إنتاج مئات ملايين اللقاحات ضد «كورونا»، بحلول كانون الثاني المقبل. يدير العملية كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر، بدعم من وزارة الدفاع ووزارة الصحة والخدمات البشرية. ولكن ما يرتبط بـ«مودرنا» مباشرة، أنه جرى تعيين أحد أعضاء مجلس إدارتها، منصف السلاوي، ككبير مستشاري العملية. وهو خبير أميركي من أصول مغربية في صناعة الأدوية، وكان قد استقال من منصبه في الشركة، بسبب طلب ترامب انضمامه إلى فريق عملية Warp Speed. ومنذ أيام قليلة، بشّر باقتراب التوصّل إلى لقاح للفيروس، خلال ظهوره إلى جانب ترامب في مؤتمرٍ صحافي في البيت الأبيض. يومها قال: «سيدي الرئيس، لقد رأيت مؤخراً نتائج مبكرة من تجربة سريرية باستخدام لقاح فيروس كورونا. وقد جعلتني هذه النتائج أشعر بثقة أكبر بقدرتنا على تقديم بضع مئات من ملايين الجرعات من اللقاح، بحلول نهاية عام 2020». وبينما لم يحدّد السلاوي التجربة التي يتحدّث عنها، فقد أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأنه على الأرجح كان يتكلم عن تجربة شركة «مودرنا».