(جوزيف ستيجليتز\ بروجيكت سنديكيت)
لم تكن البشرية تتوقع تفشي جائحة كورونا كوفيد - 19، مع أننا كنا نتلقى على مدى عقود من الزمن إنذارات قوية تحذرنا من انتشار سارس، وإيبولا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وإنفلونزا الطيور على نطاق أصغر. وأنشأ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي أدرك الطبيعة الحقيقية للتهديد الذي قد تفرضه الأمراض المعدية، هيئة معنية بالأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي داخل مجلس الأمن القومي.
ونظرا لأن هناك احتمالات قوية بأننا سنواجه وباء آخر عاجلا أو آجلا، فإن المجتمع الدولي منخرط عن حق في مناقشة كيفية الاستجابة للأوبئة على نحو أفضل في المستقبل. وفي الشهر الماضي، أصدر اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها "إعلانا سياسيا" رحب به بوصفه قرارا معلما. وعلى حد تعبير كارولين رينولدز، المؤسسة المشاركة لشبكة الإجراءات المتعلقة بالوباء، فإن المسودة المؤلفة من 14 صفحة أقرت بأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها هي أكثر بكثير من مجرد مسألة صحية وطنية، بل إنها قضية أمنية واقتصادية ووطنية وعالمية. فعلى غرار قضية تغير المناخ، تشكل الأوبئة خطرا نظاميا عالميا وتهديدا وجوديا للبشرية، ويتعين علينا أن نتعامل معها على هذا الأساس.
ولكن أليس هذا مجرد توضيح لما هو واضح؟ وفي حين أشاد البعض بالاتفاق ووصفه "تاريخيا"، إلا أنه لم يكن مصحوبا بأي التزامات ثابتة من جانب الحكومات. إننا نعلم بالفعل ما سيتطلبه الأمر للاستجابة للجوائح على نحو أفضل في المستقبل. فبعد انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم، مات الملايين من الناس في الدول الفقيرة بسبب عدم القدرة على الوصول إلى الأدوية التي كانت تخزن في الدول الغنية. وكنا نحتاج إلى التنازلات عن كل حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتصدي لمسببات الجائحة -بما في ذلك اللقاحات، والاختبارات، ومعدات الحماية الشخصية، والعلاجات- فضلا عن التزامات الجميع بتقاسم ما لديهم من تكنولوجيا، وتوفير كل الأموال اللازمة لمساعدة الدول الأشد فقرا.
ومع ذلك، خلال أزمة كوفيد - 19، لاحظنا أنه حتى أقوى الدول المدافعة عن الحوكمة الدولية، تحديدا الولايات المتحدة، ليست نادمة عن انتهاكها القواعد والأعراف التي كانت تعدها متناقضة مع مصالحها المباشرة. إن الحد من بعض تحركات الأشخاص لاحتواء انتشار الفيروس، وحظر تصدير المنتجات الأساسية المتعلقة بفيروس كورونا، كانا أمرين مختلفين تماما.
وفضلا عن ذلك، وبفضل الطلب الشجاع المتعلق بحرية الاطلاع على المعلومات في جنوب إفريقيا وتسريبات أخرى مؤكدة، أصبحنا نعلم الآن أن شركات الأدوية الكبرى انحدرت إلى مستوى متدن للغاية لدرجة أنها فرضت رسوما على بعض الدول النامية أعلى مقارنة بـتلك التي فرضتها على الدول المتقدمة. كما أصر بعضها على تصدير الجزء الأكبر من منتجاتها إلى أوروبا من الأسواق الناشئة حيث تصنع، مع أن مواطني تلك الدول كانوا في أمس الحاجة إلى الأدوية.
والأسوأ من ذلك أنه في حين كانت حكومات الدول النامية خاضعة لالتزامات تعاقدية صارمة، فقد أعفيت الشركات نفسها حتى من الحد الأدنى للمتطلبات اللازمة لتسليم ما وعدت به من إمدادات في الوقت المناسب. وأصرت على السرية -لأسباب أصبحت واضحة الآن- حتى حين يؤدي ذلك إلى انتهاك قوانين النزاهة في أي بلد. لذا، وضع عديد من حكومات الدول النامية أمام خيارين: إما إنقاذ حياة مواطنيها وإما الحفاظ على القيم الديمقراطية. واختارت دولة واحدة على الأقل الحصول على اللقاحات من روسيا، بوصفه حلا وسطا. واختارت الدول الأخرى الصين، بوصفها المصدر الوحيد الممكن للقاحات... يتبع.