في فترة الإغلاق التي فرضها تفشي فيروس كورونا قبل عامين، ركز خبراء النوم على بعض الخطوات للتغلب على الأرق والحصول على نوم جيد؛ مثل ممارسة الرياضة، والحد من التوتر، وتقليل وقت الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لكنهم لم يُظهروا اهتماما كافيا بعامل مهم آخر هو جودة النظام الغذائي.
وذلك رغم أن العديد من الأبحاث تُشير إلى أن الأطعمة التي نتناولها يمكن أن تؤثر على جودة نومنا، كما يمكن لأنماط النوم أن تؤثر بنفس الدرجة على اختياراتنا الغذائية. حيث وجد الباحثون أن اتباع نظام غذائي غني بالسكر والدهون المُشبّعة والكربوهيدرات المُعالجة يمكن أن يُعطل النوم، في حين أن تناول المزيد من النباتات والألياف والأطعمة الغنية بالدهون غير المشبعة، مثل المكسرات وزيت الزيتون والأسماك؛ قد يساعد على تعزيز النوم الجيد.
ومن أجل فهم أفضل للعلاقة بين النظام الغذائي والنوم، يُوصي أناهاد أوكونور، الكاتب المتخصص في التغذية بصحيفة "نيويورك تايمز"، باستبعاد الدراسات العشوائية حول تأثير أطعمة محددة مثل الحليب الدافئ أو عصير الفاكهة على نومنا، لكونها دراسات صغيرة وليست صارمة بشكل كاف غالبا، وفق رأيه.
كما يُشير إلى الدراسات المتحيزة الممولة من شركات أغذية عالمية، كتلك التي تَدّعي -على سبيل المثال- أن تناول حبتين من الكيوي مساء، يُحسن مدة النوم وجودته، أو التي تُظهر أن شُرب عصير الكرز الحامض قد يحسن النوم ويقلل الأرق.
حمية البحر المتوسط مثالية للنوم الجيد
تنصح الدكتورة ماري بيير سانت أونج، أستاذة الطب الغذائي بجامعة كولومبيا، التي أمضت سنوات في دراسة العلاقة بين النظام الغذائي والنوم؛ قائلة "بدلا من التركيز على نوع أو نوعين من الأطعمة المحددة التي يفترض أنها تساعد على النوم، من الأفضل التركيز على الجودة الشاملة لنظامنا الغذائي".
وهو ما أكدته دراسة نُشرت عام 2020، وأشارت إلى "أن الذين يعانون من اضطراب النوم المستمر، يميلون إلى اتباع نظام غذائي منخفض الجودة؛ يشتمل على كمية أقل من البروتين والفواكه والخضروات، وكميات أكبر من المشروبات السكرية والحلويات والأطعمة فائقة المعالجة".
كما اكتشف الباحثون أن تناول المزيد من الدهون المشبعة وتقليل الألياف والحبوب الكاملة أدى إلى انخفاض النوع العميق والمريح؛ في حين أن الناس قد ينامون بشكل أسرع وأكثر عُمقا، عندما يتبعون نظاما غذائيا غنيا بالكربوهيدرات المُعقدة التي تحتوي على الألياف، مقارنة بنظام غذائي غني بالدهون أو البروتين.
ومع ملاحظة أن نوعية الكربوهيدرات تُشكل فرقا، فقد وجدت الدكتورة سانت أونج في بحثها، أن تناول المزيد من السكر والكربوهيدرات البسيطة -مثل الخبز الأبيض والمعجنات والمعكرونة- قد يساعد على النوم بشكل أسرع، لكنه يتسبب في الاستيقاظ بشكل متكرر طوال الليل.
وفسرت أونج ارتباط الكربوهيدرات المعقدة التي تحتوي على الألياف بنوم أفضل، بأنها توفر مستوى أكثر استقرارا للسكر في الدم خلال الليل.
أيضا، قد يُشكل النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط نمطا أمثل لنوم أفضل، لتركيزه على الخضروات والفواكه والمكسرات والبذور والبقوليات والحبوب الكاملة والمأكولات البحرية والدواجن والألبان والأعشاب والتوابل وزيت الزيتون. فقد وجدت دراسة كبيرة نُشرت عام 2018، أن الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط الغذائي، "أقل عرضة للمعاناة من الأرق وقصر فترات النوم".
قلة النوم تدفع إلى تناول السكريات
ووجد العلماء أن الناس عندما يعانون من قلة النوم، فإنهم يتعرضون لتغيرات فسيولوجية يمكن أن تدفعهم إلى البحث عن الوجبات السريعة. وأثبتت التجارب أن البالغين الأصحاء الذين يُسمح لهم بالنوم لمدة 4 أو 5 ساعات فقط في الليلة "ينتهي بهم الأمر إلى استهلاك المزيد من السعرات الحرارية وتناول الوجبات الخفيفة بشكل متكرر طوال اليوم". كما أنهم "يشعرون بمزيد من الجوع بشكل ملحوظ، ويزداد تفضيلهم للأطعمة السكرية". لذا، تقول الدكتورة سانت أونج "إن النوم القصير يُعزز الشهية والرغبة في تناول الطعام لدى الرجال، ويُقلل من إشارة التوقف عن الأكل لدى النساء".
النوم والأكل وتغييرات الدماغ
أيضا، للنوم والأكل علاقة بتغييرات تحدث في الدماغ، فقد وجدت الدكتورة سانت أونج، في دراسة أشرفت عليها ونُشرت عام 2013؛ أنه عندما يقتصر نوم الشخص على 4 ساعات فقط ليلا لمدة 5 ليال متتالية، تُصبح استجابة الدماغ لتناول البيتزا والدونات والحلوى أكثر، مقارنة بالأطعمة الصحية مثل الجزر والحليب والفواكه؛ ولكن بعد 5 ليال من النوم الطبيعي، تختفي استجابات الدماغ القوية للوجبات السريعة.
وبما أن النوم يؤثر على ما نأكله، كما يقول البروفيسور بول ماثيوز، رئيس قسم علوم الدماغ في إمبريال كوليدج لندن؛ فإن الحفاظ على نمط نوم جيد يساعد على تقليل الشهية، والحد من استهلاك الدهون والأطعمة التي تسبب الالتهاب؛ وهو ما يقلل من مخاطر الإصابة بالخرف.
النوم الجيد طريقك لتجنب الأطعمة غير الصحية
وأظهرت دراسة أجراها باحثون بجامعة كينغز كوليدج لندن ونُشرت عام 2018؛ كيف يمكن للنوم المناسب أن يزيد من قوة إرادتنا لتجنب الأطعمة غير الصحية. حيث وجد الباحثون أن الأشخاص الذين كانوا ينامون فترات قصيرة بشكل معتاد، ثم خضعوا لبرنامج لمساعدتهم على النوم ما يقرب من ساعة إضافية كل ليلة؛ لاحظوا تحسينات في نظامهم الغذائي، كان أبرزها تخفيض حوالي ملعقتين ونصف ملعقة صغيرة من السكر المضاف من وجباتهم الغذائية كل يوم.
الأكل والنوم متشابكان
يقول أوكونور "إن العلاقة بين النظام الغذائي السيئ والنوم السيئ هي علاقة ذات اتجاهين"، وهو ما تؤكده الدكتورة سوزان ريدلاين، أستاذة طب النوم في كلية الطب بجامعة هارفارد، استناد لدراسة شاركت فيها نُشرت عام 2019؛ بقولها "إن الأكل والنوم متشابكان، وبالتالي فإن تحسين أحدهما يمكن أن يساعد على تحسين الآخر والعكس صحيح".
وأوضحت ريدلاين أن أفضل طريقة للمحافظة على الصحة والوقاية من اضطرابات النوم، هي التأكيد على اتباع نظام غذائي صحي ونوم صحي، فهما سلوكان صحيان مهمان للغاية، يعزز كل منهما الآخر".