يعيش النازحون في ظروف غير آمنة صحياً داخل مراكز الإيواء غير المؤهلة لعيش المواطنين المشردين لأيام طويلة في مناطق متفرقة من قطاع غزة، وخاصة داخل المستشفيات التي هي في الأصل عرضة لنقل الأمراض للنازحين بداخلها، إلى جانب مَن في المدارس التابعة للأونروا، والذين يتكدسون داخل الفصول الضيقة بالعشرات، ويستخدمون مستلزماتهم الشخصية بشكل جماعي، عدا عن تكدس النفايات بالأطنان داخل هذه المراكز، مع توقف عمال النظافة عن العمل منذ بدء الحرب، الأمر الذي يزيد من فرص نقل الأمراض بين النازحين.
ويعيش داخل مراكز الإيواء المنتشرة في قطاع غزة، قرابة المليون نازح في ظروف صعبة. وفي غضون أسبوع واحد من غياب المياه النظيفة، ظهرت حالات إسهال عديدة بين الأطفال وفق وزارة الصحة في غزة، إلى جانب تعرض البعض لأمراض جلدية تستدعي تدخلا علاجيا سريعا. لكن الواقع الصحي المتهالك الذي تعيشه غزة بفعل الحصار والعدوان الإسرائيلي المتواصل، يحول دون إمكانية توفير علاج كافٍ لأعداد المصابين والذين قد تزداد أعدادهم مع مرور الأيام، جراء تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة، واستمرار نزوح المئات من السكان من كافة مناطق القطاع إلى مراكز الإيواء.
ومن أبرز مسببات الأمراض حالياً داخل قطاع غزة، لجوء النازحين حتى المواطنين داخل مناطق سكناهم إلى شرب المياه الجوفية غير المعقمة، نتيجة توقف كامل محطات التحلية عن العمل لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، حيث إن اعتماد جميع السكان على شرب هذه المياه يزيد من احتمالية انتشار الأمراض الخطيرة وفق مختصين، ولا سيما أمراض الكوليرا وأنواع الفيروسات والبكتيريا الخطيرة الأخرى، حيث يتوافد جميع سكان قطاع غزة كل صباح إلى البحث عن المياه وتعبئتها بشكل مباشر من الآبار الجوفية لغرض الشرب، بعد أن كانوا يستخدمونها في الأيام العادية لغرض النظافة البيتية والشخصية، لكن الحصار المشدد أجبر السكان على استخدام المياه الملوثة وغير الصالحة للشرب، ما يزيد ذلك من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
وتعتبر فئة الأطفال وكبار السن والحوامل ومرضى الضغط والسكري ومرضى الكلى، من أكثر الفئات عرضة للإصابة بالأمراض الخطيرة، حيث إن هناك حالات جفاف ونزلات معوية تصيب عددا من النازحين نتيجة شرب المياه الملوثة، والخطر يكمن في استمرار أمد الحرب ووقوع وباء خطير بين النازحين إذا ما استمر الحال الذي هم عليه، وهذا الحال لا بديل عنه في ظل استمرار الحرب على غزة والقتل والدمار في كل المناطق، وتعنت إسرائيل في توفير كامل احتياجات النازحين من مأكل ومشرب وخدمات أساسية أخرى.
وقالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تمارا الرفاعي، في تصريحات صحافية، إن النقص الحاد في المياه النظيفة في غزة يشكل الكارثة والتحدي الأكبر بالنسبة للأونروا، في حين نخشى من انتشار الأوبئة في المدارس والمراكز التي تستقبل النازحين، بسبب غياب المياه النظيفة والأساسيات التي يحتاجها النازحون. وطالبت بضرورة السماح بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، تحسباً من الوقوع في مزيد من الكوارث.
كما حذرت منظمة الصحة العالمية من خروج الوضع عن السيطرة في قطاع غزة، في ظل تكدس المستشفيات بمئات الجثث، وخطر تفشي الأوبئة والأمراض الخطيرة بين النازحين داخل المراكز الصحية، إلى جانب توجه السكان إلى شرب المياه الملوثة، والتي تهدد بانتشار واسع للأمراض المنقولة عن طريق المياه بين المواطنين.
داخل مدرسة الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، يقضي ما يقارب 15 ألف نازح ظروفا مؤسفة للغاية، حيث رصد مراسل “القدس العربي” أوضاع النازحين الصعبة الذين ينتشرون في أزقة المدرسة دون أدنى مقومات السلامة، وغياب كامل للنظافة بين النازحين، نتيجة عدم توفير الأونروا المستلزمات الخاصة بالمواطنين في مناطق النزوح الشمالية، التي ترفض إسرائيل إدخال المساعدات إليها، ناهيك عن المرافق الصحية التي باتت مكاناً لانتشار الأمراض والروائح الكريهة، لعدم قدرتها على استيعاب المئات من النازحين الذين يتوافدون يومياً إليها لقضاء احتياجاتهم الشخصية.
المواطن يوسف عامر اضطر إلى النزوح لذات المدرسة، بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية الحي السكني الذي يعيش فيه بمنطقة الكرامة غربي مدينة غزة، حيث انهارت الدموع من عينيه خلال حديثه من شدة ما يتعرض له من ظروف صعبة وغير مسبوقة بالنسبة له داخل المركز، الذي أصبح مكرهة صحية ومنبعا للأمراض مع انتشار القاذورات في كل مكان، وعدم وجود أي بوادر قريبة تنهي الواقع الصعب الذي يتعرض له المئات من أمثاله داخل مراكز الإيواء.
أما السيدة أم خليل، فهي غاضبة من الحال الذي وصلت إليه، بعد أن أصيب بعض أبنائها بمضاعفات صحية نتيجة سوء التغذية وتعرضهم للبرد، فهي لا تجد من يعالج أوجاع أبنائها وغيرهم من النازحين الذين تعرضوا أيضاً للإصابة ببعض الأمراض، نتيجة تلوث مياه الشرب والطعام والطقس البارد، في حين تخشى من فقدان أبنائها أمام أعينها، في ظل تطور المضاعفات الصحية في كل يوم على أجسادهم، ومحاولة الاستعانة بالطب البديل دون جدوى.
من جهته، يقول مدير وحدة مكافحة العدوى في وزارة الصحة بغزة رامي العبادلة، إن الواقع الصعب الذي يعيشه المواطنون في كافة مراكز النزوح، يهدد بتفش واسع للعديد من الأمراض الخطيرة والمنقولة عن طريق الشراب والطعام، ويزداد خطر ذلك مع توافد أعداد كبيرة يومياً من النازحين لمراكز الإيواء، وصعوبة الجهات المختصة تقديم الخدمات السليمة الكاملة للنازحين.
وأشار العبادلة لـ”القدس العربي” إلى أنه تم تسجيل حالات تسمم وعدوى فيروسية وبكتيرية في صفوف شريحة كبيرة من النازحين داخل مناطق جنوب القطاع، وتأتي المسببات الأولية لهذه الإصابات، نتيجة اعتماد المواطنين على مصادر المياه غير النظيفة، بما في ذلك مياه الآبار التي هي بحاجة إلى تكرير وتعقيم.
وطالب العبادلة المجتمع العربي والدولي بمزيد من الضغط على إسرائيل، من أجل السماح بتدفق المزيد من المساعدات للسكان في غزة، وبالأخص الوقود الذي يساعد في تشغيل محطات التحلية وتقديم مياه نظيفة للنازحين، بالإضافة إلى مطالبة الأونروا بالعودة إلى خدماتها واستلام مهامها في مناطق شمال غزة ومناطق غزة، وإنقاذ أوضاع النازحين الذين يواجهون ظروفاً قاسية وخطر تفشي الأمراض بينهم.