لم يختف فيروس "كوفيد-19"، ولن يختفي في المدى القريب بعدما أصبح جزءًا من مشهد التهديدات الصحية. ورغم أن فيروس كورونا لا يزال يسبب الوفيات ويخلّف أضرارًا دائمة، إلا أن مناعة أجسامنا واللقاحات والعلاجات تمكنت من ترويض الجائحة.
وظهر الفيروس المسبّب لمرض كوفيد في نهاية عام 2019. ونواصل معرفة المزيد عنه كل يوم.
ويستمر الفيروس واستجابتنا المناعية له بالتطور، وكذلك معرفتنا وفهمنا له، إذ تم تعديل الإرشادات وتنقيحها مع معرفتنا الأعمق عنه، ولا شك بأن الإجراءات الصحية العامة أنقذت حياة الملايين.
غير أنّ ثلاثة مفاهيم خاطئة منتشرة على نطاق واسع، تعكس الانقسام وتساهم به. ولكل منها نواة من الحقيقة تبدو وكأنها تدعم المفهوم الخاطئ، ولكن الواقع واضح.
هل يتسبّب "كوفيد-19" حقًا بقتل مليون أمريكي؟
نعم.
فما هو جوهر الاعتقاد الخاطئ بأنّ "كوفيد-19" لم يقتل مليون أمريكي؟ مرد ذلك ربما إلى تصنيف سبب وفاة بعض الأشخاص إلى "كوفيد-19" فيما ماتوا جراء حالات أخرى، مثل الأزمة القلبية التي قد تكون ناجمة عن "كوفيد-19" أو أمراض أخرى.
في وقت مبكر من الجائحة، عندما لم يكن لدى أحد مناعة، لم تكن هناك علاجات فعالة ولم يكن معروفا كيفية رعاية الناس بشكل أكثر فعالية، وتقريباً جميع الأشخاص الذين توفوا وثبتت إصابتهم بـ"كوفيد-19"، كانت وفاتهم بسبب فيروس كورونا.
اليوم، يتمتّع معظم الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بـ"كوفيد-19" بمناعة تحد من ضررهم من كوفيد، ويموت بعضهم بسبب حالات كامنة مثل السرطان أو أمراض القلب.
ويتمثّل المعيار الذهبي لتحديد الأثر الحقيقي للجائحة من منظور الوفيات الزائدة: كم عدد الأشخاص الذين ماتوا أكثر من المتوقع بناءً على الاتجاهات السابقة.
وخلال السنوات الثلاث الممتدة بين عامي 2017 و2019، كان هناك حوالي 8.5 مليون حالة وفاة في الولايات المتحدة. وخلال سنوات الجائحة، بين عامي 2020 و2022، سُجّلت حوالي 10.1 مليون حالة وفاة، وهي زيادة مفجعة قدرها 1.6 مليون حالة وفاة.
وتوصّلت ثلاثة تحليلات مستقلة وضعتها منظمة الصحة العالمية، ومعهد القياسات الصحية والتقييم، ومجلة الإيكونوميست، إلى نتيجة مماثلة، مفادها أنه خلال السنوات الثلاث الأولى على مستوى العالم، توفي أكثر من مليون شخص في الولايات المتحدة و20 مليون شخص على مستوى العالم، بما يتجاوز الاتجاهات.
ورغم أن هذه الوفيات الزائدة لم تكن كلها ناجمة عن عدوى "كوفيد-19"، إلا أن الغالبية العظمى منها كانت ناجمة عن عدوى "كوفيد-19"، أما البقية فكانت ناجمة عن تعطل خدمات الرعاية الصحية بسبب الجائحة.
هل ثبت أن اللقاحات تنقذ الأرواح؟
نعم.
ربما أنقذت لقاحات كوفيد حياة ما لا يقل عن 500 ألف شخص في الولايات المتحدة، وضعف هذا العدد ربما، إضافة إلى أرواح ملايين عدة من الأشخاص حول العالم.
من السهل أخذ اللقاحات كأمر مسلّم به. لكن تطوير لقاحات آمنة وفعالة لمرض كوفيد لم يكن أمرًا مؤكدًا على الإطلاق. ويعد الوباء الأكثر فتكاً في حياتنا هو فيروس نقص المناعة البشرية، وما زلنا لا نملك لقاحاً ضده.
مع تطور فيروس كورونا وإمكانيته على الإفلات من المناعة، تعرضت فعالية ومتانة لقاحاتنا لضربة قوية، ولهذا السبب هناك حاجة إلى إصدارات محدّثة من اللقاح لتعزيز الحماية.
ما هو جوهر هذا الاعتقاد الخاطئ؟ العديد من حالات الإصابة بفيروس كورونا، حتى لدى الأشخاص الأكبر سنًا أو المعرضين للخطر طبيًا، تكون خفيفة. وبشكل عام، حوالي 199 من 200 إصابة لا تسبب مرضًا مميتًا. ومن غير المرجح أن تكون العدوى شديدة بين الشباب.
وأثبتت دراسة تلو أخرى فوائد التطعيم ضد "كوفيد-19"، حيث يقلّل خطر الوفاة بنسبة 75% بالحد الأدنى، وبنسبة تزيد على 90% خلال الأشهر التي تلي التطعيم مباشرة.
ورغم أن جميع الفئات العمرية تستفيد من التطعيم، إلا أنّ المجموعات التي تتمتع بأكبر فائدة هي تلك الأكثر عرضة لخطر الإصابة بـ"كوفيد-19" الشديد، أي الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا والذين يعانون من حالات طبية كامنة مثل ضعف جهاز المناعة.
وإذا كان "كوفيد-19" أكثر فتكًا بكبار السن، فلماذا يجب على الشباب أن يكلفوا أنفسهم عناء التطعيم؟
وفقا للبيانات المتاحة، تطعيم الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما فقط من شأنه أن يؤدي إلى استشفاء 200 ألف شخص، و15 ألف حالة وفاة إضافية على مدى العامين المقبلين مقارنة بتطعيم الجميع.
هل ارتداء الكمامات فعال؟
نعم.
تستخدم الكمامات في البيئات الطبية للوقاية من التهابات الجهاز التنفسي منذ قرن من الزمان. وهناك سبب وراء ارتدائها من قبل الجراحين قبل إجرائهم العمليات الجراحية.
يتمثل دور الكمامات في أمرين: 1- تقلل من كمية الفيروس المنتشر في الهواء من الأشخاص المصابين بكوفيد، و2- تحمي الشخص من استنشاق الفيروس من الهواء.
ما هو جوهر الاعتقاد الخاطئ بأن الكمامت غير فعالة؟ إنها ليست مثالية. وتحدث الكثير من حالات انتقال العدوى في أماكن مثل المنازل حيث نادرًا ما يتم ارتداء الكمامات، كما أن الأنواع غير المناسبة منها لا تحمي بشكل فعال.
إن الشخص الذي يرتدي قناعًا ويحمي الآخرين من العدوى قد لا يعرف أبدًا أنه قام بحماية الآخرين. والشخص الذي يرتدي قناعًا، لكن ليس بشكل متناسق أو غير مناسب، لن يتمتع بحماية جيدة.
إن عوامل مثل مدى كثافة انتشار الفيروس، وفي أي بيئة ينتشر (مثل الأماكن المغلقة ذات التهوئة السيئة)، ونسبة الأشخاص الذين يرتدون الكمامات، ومدى استمرار ارتدائها، تضيف تعقيدًا إلى مسألة مقدار الحماية التي توفرها الكمامات.
وللحماية الشخصية، يمكن لقناع عالي الجودة مثل N95 أو KN95 أن يحمي مرتديه، لا سيما إذا كان مناسبًا للوجه بشكل جيد ويتم ارتداؤه باستمرار في الأماكن المغلقة المزدحمة حيث إمكانية التعرض لفيروس "كوفيد-19".