بعد أكثر من مئة يوم على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ومع استهدافها لمراكز النازحين والمرافق الصحية ومنْعها دخول الأدوية والغذاء، انهارت المنظومة الصحية في القطاع برمّتها، ما تسبّب في انعكاسات طالت مجمل حياة الفلسطينيين المحاصرين وتحديداً الأطفال منهم.
ووفقاً لمعطيات رسمية صادرة عن وزارة الصحة في غزة، فإن الأطفال هم أكثر الفئات الاجتماعية التي تعرّضت للاستهداف؛ إذ إنهم الفئة الأكثر احتياجاً إلى الرعاية الغذائية والنفسية والطبية، وخصوصاً الأدوية، ومنها اللقاحات المضادة للأمراض، والمقطوعة عن محافظتَي غزة والشمال، وذلك على خلفية منْع الإسرائيليين إيصالها إلى هاتين المحافظتَين، علماً أن كميات ضئيلة من تلك اللقاحات وصلت إلى مراكز الرعاية الأولية في مناطق جنوب ووسط القطاع فقط.
وتحمل المعطيات المتعلّقة بالأطفال في غزة مؤشرات في غاية الخطورة، بحسب منظمة «اليونيسيف»، التي قالت إن «الاكتظاظ الشديد والظروف الجوية القاسية وانهيار النظام الصحي بشكل شبه كامل، والإمكانية المحدودة للحصول على المياه النظيفة وعدم توافر الصرف الصحي إلى جانب زيادة أوجه الضعف الأخرى، مثل المصابين بجروح وذوي حالات ضعف المناعة، كل ذلك يخلق أرضاً خصبة لانتشار الأمراض التي يمكن تجنّبها بالتطعيم».
وأكّدت المنظمة أن أكثر من 80% من الأطفال في القطاع «يعانون من فقر غذائي حادّ»، منبهةً إلى أنه «في الأسابيع المقبلة، سيعاني ما لا يقلّ عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي سيهدّد حياتهم». واستدركت بأن «هذه النتائج تشير إلى أن جميع الأطفال دون سنّ الخامسة، وعددهم 335 ألف طفل، معرّضون بشدّة لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة التي كان يمكن الوقاية منها، لولا استمرار تزايد خطر المجاعة».
وفي السياق، قالت وزارة الصحة في غزة إن الطعومات التي اشترتها حكومة رام الله، إضافةً إلى ما تبّرعت به «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف)، بدأت بالدخول إلى غزة، بالتنسيق مع الجهات المصرية، وهي تشمل طعومات شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية والنكاف وغيرها من الطعومات الروتينية الخاصة بالأطفال، إلّا أنها تكفي لمدة تتراوح بين 8 و14 شهراً.
وكانت قد أَطلقت وزارة الصحة في قطاع غزة، في 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي، صرخة عاجلة لمساعدتها بعد نفاد مخزونها من لقاحات الأطفال، محذّرةً من «انعكاسات صحية كارثية» على هؤلاء، فضلاً عن «انتشار الأمراض، بخاصة بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظّة»، مطالبةً «بسرعة التدخّل لتوفير التطعيمات اللازمة، وضمان وصولها إلى مناطق قطاع غزة كافة لمنع الكارثة».
ومع دخول فصل الشتاء الذي تنتشر فيه الأمراض والعدوى، وفي ظل تكدُّس الناس في مراكز النزوح، ترجّح مصادر طبية أن تتطوّر هذه الأعراض، ذلك أنّ إعطاء اللقاحات سيكون صعباً لأن معظم سكان غزة نزحوا من منازلهم، فيما يعيش مئات الآلاف منهم في خيام أو أماكن إيواء مؤقتة أخرى.
ومن جهتها، أعلنت منظّمة «أنقذوا الأطفال» أن جيش الاحتلال قتل 1% من الأطفال في غزة منذ السابع من أكتوبر، أي حوالى 10 آلاف طفل، مشيرةً إلى أن «الأطفال الذين نجوا من العنف يعانون أهوالاً لا توصف، بما في ذلك الإصابات التي تغيّر حياتهم، إضافة إلى الحروق، والأمراض، وعدم كفاية الرعاية الطبية، وفقدان والديهم وأحبائهم الآخرين». وأضافت: «اضطرّ الأطفال إلى الفرار من العنف مراراً وتكراراً. ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه، وهم مجبرون على الفرار من العنف إلى أجل غير مسمّى، لقد واجهوا أهوال المستقبل». وأكد مدير المنظّمة في فلسطين، جيسون لي، أن «الأطفال الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً لعدم التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة»، لافتاً إلى أنّ «ما معدّله 100 طفل يُقتلون كلّ يوم لا يتمّ فيه التوصّل إلى وقف نهائيّ لإطلاق النار».