مع دخول الأزمة المالية التي عصفت بالمؤسسات العامة والخاصة في لبنان عامها الرابع، يبدو أن هناك أزمة في استمرارية العام الدراسي الحالي وإجراء الامتحانات الرسمية، فعملية تصحيح الأجور التي حصل عليها الأساتذة هذا العام بعد حرمانهم منها في السنوات الثلاث الماضية، بدأت تتعثر.
وعليه، يتحضّر الأساتذة المتقاعدون لاعتصام يوم غد الأربعاء (17/1/2024) أمام وزارة التربية، للمطالبة بإنصافهم من خلال زيادات على الرواتب في صندوق التقاعد، بالتساوي مع زملائهم الأساتذة المتقاعدين في التعليم الرسمي. كما هدد الأساتذة من خارج روابط التعليم الثانوي بتحريك الإضرابات في حال تعثّر دفع الحوافز، فيما دعت رابطة الأساسي في بيان لها الأسبوع الماضي إلى ضرورة العمل على تصحيح الرواتب، وإصدار سلسلة رواتب جديدة، ورفض بدعة المساعدات وبدلات الإنتاجية.
وفي السياق، يذهب رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، نعمه محفوض، إلى اجتماع وزارة التربية، اليوم الثلثاء (16/1/2024)، لبحث دعم الأساتذة المتقاعدين، وفي يده ورقة الإضراب الذي وافقت عليه أمس الجمعيات العمومية بالإجماع، مفوّضةً المجلس التنفيذي للنقابة اتخاذ الخطوات التصعيدية، بناءً على نتيجة الاجتماع التربوي.
القرار اتخذ بمشاركة المئات في الجمعيات العمومية. وقال محفوض إن النقابة «تنتظر أن يقدم الاجتماع ضمانات جدية لتمويل صندوق التقاعد وتحسين رواتب المعلمين المتقاعدين التي تراوح بين مليون و500 ألف ليرة و3 ملايين ليرة وتأمين العيش اللائق لهم»، ملوّحاً باللجوء إلى الإضراب «ابتداءً من يوم غدٍ الأربعاء إذا لم يتوصل الاجتماع إلى اتفاق مع ممثلي إدارات المدارس ولجان الأهل».
وكانت الحكومة قد ردّت إلى المجلس النيابي، في جلستها الأخيرة، القانونَين النافذين المتعلّقين بتغذية صندوق التعويضات بعد ضغوط مارستها الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية لدى البطريرك بشارة الراعي. وقد باغتت وزارة التربية المعلمين بموعد الاجتماع، عشية الجمعيات العمومية، في محاولة لتطويق تحركهم، من خلال استبدال القوانين المردودة إلى المجلس النيابي ببروتوكول يتوافق عليه اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ونقابة المعلمين وصندوق التعويضات ولجان الأهل.
إلا أنّ محفوض لم يستبشر خيراً بالطرح الذي قدمته الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، عشية الاجتماع التربوي، لما سمّته إنصاف الأساتذة المتقاعدين، واصفاً إياه بـ«المذلّ لكونه لا يتضمن دفع الأموال لصندوق التعويضات مباشرة». ويتمثل الطرح بأن تنشئ كل مدرسة صندوقاً تعاضدياً بالليرة اللبنانية للمتقاعدين فيها، بشكل آني وظرفي، لتأمين مساعدة اجتماعية بقيمة ستة أضعاف على أساس الراتب التقاعدي المعتمد في صندوق التعويضات، تضاف إلى الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه المعلم من صندوق التقاعد، ويعود لكل مؤسسة تربوية أو مدرسة إيجاد المصادر لتمويل الصندوق.
ويصار إلى البدء بدفع المساعدة ابتداءً من آخر كانون الثاني 2024، حتى نهاية أيلول 2024، فيما تنتظر المدارس أن تقوم الدولة خلال هذه الفترة بإقرار آلية قانونية جديدة، بالتشاور مع مكونات العائلة التربوية، مع الإشارة إلى أن مفاعيل هذه المبادرة تتوقف في الوقت الذي تقرّ فيه الآليّة القانونية الجديدة. وفيما أعلنت الأمانة العامة أنها منفتحة على كل الطروحات، طالبت وزارة التربية بتشكيل مجلس إدارة جديد لصندوق التعويضات لكون المجلس الحالي يصرّف الأعمال مند عام 2019.
السلفة الحكومية نفدت: هل يتوقف العام الدراسي؟
«الإنجاز التربوي» بتسيير العام الدراسي في مرحلته الأولى أصبح على المحك. فمع نهاية الشهر الجاري، تنفد سلفة الخمسة آلاف مليار ليرة التي صرفتها الحكومة لوزارة التربية لتسيير العام الدراسي.
وكانت الوزارة قد طلبت سلفةً بقيمة 15 ألف مليار ليرة (نحو 150 مليون دولار)، وافقت الحكومة على تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء، من دون إقرارها كاملةً، وصرفت الجزء الأول (5 آلاف مليار ليرة)، على أن تطلب المبالغ المتبقية بمراسيم منفصلة، علماً أنّ وزارة المالية جزّأت السلفة المجزأة، وصرفتها على ثلاث دفعات.
بالنتيجة، تمكنت وزارة التربية، بالتكافل والتضامن مع روابط المعلمين، من تسيير المرحلة الأولى من العام الدراسي الرسمي، ومرّ الفصل الأول من دون أي إضراب أو تعطيل قسري للمرة الأولى منذ 4 سنوات، بعد منح الأساتذة مبالغ إضافية على الرواتب، تراوحت بين 300 دولار (لأساتذة التعليم ما قبل الجامعي والموظفين الإداريين في الوزارة والجامعة اللبنانية) و650 دولاراً (لأساتذة الجامعة).
في 20 الجاري، يُدفع المبلغ الأخير من الحوافز. وحتى الساعة، ما من بوادر بصرف سلفة جديدة للتربية للاستمرار بالدفع. وشهدت الأيام القليلة الماضية لقاءات بين أعضاء الهيئات الإدارية في روابط الثانوي والأساسي ووزير التربية عباس الحلبي الذي أكّد «توافر الأموال حتى نهاية العام الدراسي»، إلا أنه لم يحدّد كيفية توافرها بعد نهاية الشهر الجاري.
وبعدما لفت أحد أعضاء رابطة الثانوي انتباه الوزير إلى «تهديدات الأساتذة من خارج روابط التعليم بتحريك الإضرابات في حال تعثّر دفع الحوافز»، ردّ الحلبي: «نكاية بهؤلاء سأعمل على الدفع للأساتذة وتمرير العام الدراسي». كذلك أشارت مصادر الثانوي إلى أن الحلبي «وعد بالعمل على إيجاد صيغة لتمرير أشهر الصيف التي تنقطع خلالها الحوافز المرتبطة بالحضور إلى مركز العمل»، وأكّدت على «تزخيم العمل لإيجاد حل لانقطاع الحوافز في العطلة الصيفية في الشهرين المقبلين».
ودعت رابطة الأساسي في بيانها بعد لقاء الحلبي، الأسبوع الماضي، إلى«ضرورة العمل على تصحيح الرواتب، وإصدار سلسلة رواتب جديدة، ورفض بدعة المساعدات وبدلات الإنتاجية». وأكّد رئيسها حسين جواد أنّ «الوضع المالي في الدولة إيجابي، هناك جباية ووفر، ولا حاجة للقروض والمساعدات لتصحيح الرواتب»، وأشار الى «بدء لقاءات مع الجهات كافة بغية العمل على وضع سلسلة رواتب جديدة».
إلى ذلك، سرّبت أوساط المدارس الخاصة عن وزير التربية عباس الحلبي نيته «عدم إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة، البروفيه، هذه السنة»، عازياً السبب إلى «عدم توافر الأموال». ورغم أن لا قرار رسمياً حتى الآن، بدأت بعض المدارس الخاصة بإبلاغ تلامذتها عدم إجراء امتحانات رسمية هذه السنة، من دون تحديد البديل منها للترفيع إلى المرحلة الثانوية.
وقال رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد إن اجتماعاً سيعقد هذا الأسبوع في وزارة التربية للبحث في إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة من عدمها. وبحسب مصادر «الأخبار»، سيُبَتّ في الاجتماع عدد من الأمور، أهمّها طلب تقليص بعض المواد للشهادة الثانوية.