جريدة الأخبار ـ يوسف فارس ـ
أن تُقدّم تطعيمات للأطفال الرُّضع، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من انقطاعها، حدثٌ يستحق التغطية الإعلامية. إلى مدرسة «خليفة بن زايد» في حي مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، هرعت المئات من الأمهات وهنّ يحملن أطفالهن، وعلى باب غرفة الإدارة التي خُصّصت لاستقبال الوفد الطبي، تجمّع الأطفال والنساء، ونحن الصحافيين.
مضت ساعة، ثم ساعتان، ثم شارفت الشمس على الغروب، ولم يأت أحد: «هذه هي المرة الثانية التي يعدوننا فيها بأن الأطباء سيأتون، ولم يأتِ أحد»، قالت سهاد محمود وهي تحمل طفلاً رضيعاً لم يتجاوز عمره العام. وأضافت في حديثها إلى «الأخبار»: «كنت سأستغلّ الفرصة، كي يفحص الأطباء طفلي. منذ أسابيع، لم تفارقه الحرارة والإسهال الشديد.
هو تلقّى التطعيم الأول في سن الستة أشهر، وتأخّر تطعيمه الثاني شهرين بسبب الحرب». هناك، في مركز الإيواء الذي دُمرت أجزاءٌ منه، وحُرقت كل فصوله الدراسية، يقيم أكثر من ألفي نازح. لم يجِد هؤلاء مكاناً يلجؤون إليه بعد انسحاب دبابات الاحتلال من مشروع بيت لاهيا، فعادوا إلى المكان الذي اعتُقل منه المئات من الرجال، وقُصفوا بالقذائف الحارقة وهم في داخله. يقول أحمد عيسى، وهو ربٌّ لأسرة يتجاوز عدد أفرادها العشرة، إن «الفصول الدراسية محترقة تماماً، رائحة الرماد قاتلة، مجرد البقاء في هذا المكان يسبّب الإعياء والمرض للكبار، فما بالك بالصغار؟». ويضيف الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»: «كل الأولاد مرضى، وما قادرين نحدّد ولا نشخّص طبيعة المرض، يمكن التهاب كبد وبائي وممكن أمراض ثانية، والله محنا فاهمين إشي».
وبحسب المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، فقد تم تسجيل 8 آلاف حالة بالتهاب الكبد الفيروسي من «فئة A»، وسط توقّعات الوزارة بأن تكون أعداد المصابين بهذا الوباء، أضعاف ما تمّ تسجيله. كذلك، أكّدت «الصحة» أنها سجّلت مئات من حالات الإجهاض والولادة المبكرة نتيجة الذعر والهروب القسري، فضلاً عن أن 10 آلاف من مرضى السرطان باتوا يواجهون خطر الموت نتيجة عدم تلقّي جرعات العلاج الكيماوي، منذ أن دمرت قوات الاحتلال مستشفى «عبد العزيز الرنتيسي»، الوحيد المتخصّص في علاج مرضى السرطان في القطاع.
أما في مخيم الإيواء في مركز الصناعة التابع لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا) في المناطق الغربية من مدنية خانيونس، فلم تجد أمّ خالد أيّ طبيب يشخّص حالة طفلتها إيمان، ابنة العامين، التي تعاني منذ أسابيع من ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وتقيّؤ مستمر. تقول المرأة في حديثها إلى «الأخبار»: «تجوّلنا في كلّ مناطق خانيونس التي لم تصل إليها الدبابات الإسرائيلية بعد، بحثاً عن طبيب أطفال يشخّص حالتها ولم نجد. اتصلنا بشقيقي الصيدلي، أعطانا أسماء بعض الأدوية. بحثنا في كل رفح عن عبوة خافض للحرارة فلم نجد. الدواء يباع في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً».
وبالعودة إلى شمال غزة، وتحديداً في مدرسة «أبو حسين الابتدائية» التي تحوّلت إلى مركز إيواء يزدحم بأكثر من 4 آلاف نازح، تحول الإمكانات الضيقة دون اكتمال الجهود الطبية. هناك، تطوّع الطبيب محمد المقيد، لتقديم الخدمة الطبية للنازحين. يقول في حديثه إلى «الأخبار»: «أنا طبيب عام ولست متخصّصاً في طب الأطفال، لكنني أقدّم برفقة أختي كل ما أستطيع. نطبّب جروح المصابين ونشخّص أمراض الأطفال، لكن من دون فحص مخبري. هنا، نحن نتعامل مع الأعراض فقط وليس مع حقيقة الداء»، مشيراً إلى أن «أمراض الكبد الوبائي والربو وجرثومة المعدة، تتفشّى بين الأطفال، ولا يوجد دواء للتعاطي مع كل هذه الأمراض».