منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تشهد الحدود الجنوبية اللبنانية قصفاً متبادلاً بين المقاومة اللبنانية و"جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وذلك إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
واتبعت "إسرائيل" خلال قصفها للجنوب اللبناني سياسة الأرض المحروقة، إذ عمدت إلى استخدام سلاح الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً لتقضي على الأخضر واليابس، حيث يشتهر الجنوب اللبناني بالزراعة التي يعتاش منها معظم سكان المنطقة.
وأكدت العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية كمنظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" استخدام "إسرائيل" غير القانوني سلاح الفوسفور الأبيض في جنوب لبنان، وأبرزت الوثائق والفيديوهات التي تدعم اتهامها "إسرائيل" بذلك.
ومع التصعيد العسكري على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، عجز بعض سكان الجنوب والمزارعين من الوصول إلى البساتين لجني المحاصيل الزراعية خشية تعرضهم للقصف الإسرائيلي.
ومن جهة أخرى، أدى استخدام الأسلحة الحارقة والفوسفور الأبيض إلى إحراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتسبب كل ذلك في إلحاق ضرر كبير بالقطاع الزراعي ليزيد من معاناة لبنان الذي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وحول تأثير الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع الزراعي في جنوب لبنان، قال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس الحاج حسن في حديثه لـ "الميادين نت" أن الأثر "كبير جداً. فبعض المزارعين لم يتمكن من جني محاصيله ولا من زرع المحاصيل بسبب القصف الإسرائيلي".
وأضاف الحاج حسن بأن هناك آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية تضررت بشكل كامل أو غير كامل، وهناك أضرار مباشرة وغير مباشرة في القطاعين النباتي والحيواني.
شكاوى أمام الأمم المتحدة
أشار وزير الزراعة في حديثه لـ"الميادين نت" أنه وبعد استخدام "إسرائيل" عمداً سلاح الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً والذي أحرق الأراضي الزراعية والأحراج، أرسل لبنان شكاوى عدة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإلى الهيئة العامة للأمم المتحدة.
وتابع الحاج حسن أن الحكومة اللبنانية "على علم بأن إسرائيل تضرب بعرض الحائط جميع القرارات والإدانات الدولية، ولكن نحن نتمسك بالقانون الدولي، لذلك أودعنا مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة الوثائق التي تؤكد الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، وإذ كنا لا نعوّل كثيراً على ذلك، فإننا نحتفظ بحقنا والتزامنا بالقانون الدولي".
التعويض وإعادة التحريج
بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، فإن حكومة تصريف الأعمال اللبنانية تبذل جهوداً للتعويض على المزارعين والسكان المتضررين من الهجمات الإسرائيلية. ووضعت الدولة اللبنانية خطة طوارئ وطنية لتعزيز الجهوزية لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، قال الحاج حسن إن وزارة الزراعة جزء أساسي من هذه الخطة، وتابع بأن الوزارة أجرت مسوحات متدرجة من اليوم الأول للقصف الإسرائيلي حول الحرائق والأضرار التي لحقت بالثروة الحرجية والنباتية والسمكية.
ووفقاً لوزير الزراعة، فإن الفوسفور الأبيض تسبب بإحراق ألفي دونم بالكامل و 6 آلاف دونم أحرقت بشكل غير مباشر.
وأكد الوزير أنه بمجرد وقف إطلاق النار، ستتحرك فرق وزارة الزراعة وفرق مجلس الجنوب وباقي الفرق المعنية لمسح الأضرار والتخمين والتعويض.
مع قيام الاحتلال بحرق الغابات والأحراج، فلدى وزارة الزراعة خطة لإعادة التشجير، ويؤكد الحاج حسن في حديثه لـ"الميادين نت" أن "كل غرسة أحرقتها إسرائيل سنزرع مكانها عشرة حتى نقول للعدو الصهيوني أنتم تحرقون حتى تكسروا عزيمتنا ونحن سنصبر حتى ننتصر".
التواصل مع المنظمات الدولية
وفي ما يتعلق بالتواصل مع المنظمات الدولية لدعم لبنان في معالجة الأضرار في القطاع الزراعي التي خلفها القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان والتعويض على المتضررين، قال الحاج حسن إن وزارة الزراعة تتواصل بشكل دائم ومستمر مع الهيئات الأممية مثل الفاو، وبرنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين أبدوا استعدادهم للتعاون مع الوزارة كل بحسب قدرته وإمكانياته ورؤيته في تقديم المساعدة والدعم بمجرد وقف إطلاق النار، حيث سيصار أولاً إلى مسح الأضرار وثانياً وضع هذه الجداول بالأضرار أمام الهيئات الأممية وثالثاً التعويض على المتضررين.
وفي هذا السياق، يتساءل وزير الزراعة "حتى لو تم التعويض على المتضررين، فكيف لنا أن نعوّض على مزارع كان لديه 100 شجرة زيتون معمرة تربى وترعرع تحت ظلها ودفن أهله وشهداءه تحتها؟".
عمدت "إسرائيل" إلى استخدام سلاح الفوسفور الأبيض وبشكل كثيف خلال قصفها جنوب لبنان. وعن السبب في ذلك يوضح وزير الزراعة بأن هذا التصرف يحمل بعدين؛ الأول لأن لبنان منافس شرس في معظم دول العالم في قطاع الزيتون وغيره ومنطقة شمال فلسطين المحتلة هي منطقة زراعية خصبة بامتياز. أما البعد الثاني فيعود إلى أن العدو يعتقد واهماً بأنه قادر عندما يحرق الغابات على كشف ظهر المقاومة اللبنانية.
ويضيف الوزير بأنه "لا يمكن للعدو أن يحقق ذلك لأن العمل المقاوم ليس فقط هو عمل على بعد 4 أو 5 كيلومترات، والعدو يعي تماماً أن الإرادة والصلابة اللبنانية والنموذج اللبناني في الصمود والمقاومة بات معمماً، والانتصار دائماً حليف لبنان بإذن الله".
وحرق الغابات والأحراج، بحسب الوزير الحاج حسن، لا يؤثر فقط على لبنان، بل على دول المنطقة لأنه يساعد في التغيرات المناخية والاحتباس الحراري الذي يشهده العالم.
تأثير الفوسفور الأبيض في المزروعات والبيئة
وحول سؤاله عن الأبحاث والدراسات التي تجريها وزارة الزراعة لمعرفة مدى تأثير الفوسفور الأبيض في المزروعات، أجاب الوزير الحاج حسن بأن الوزارة بدأت بإجراء الدراسات، ولكن ما يعيق عملها هو عدم قدرتها على أخذ العينات من التربة بسبب استمرار القصف الإسرائيلي، لأن ذلك قد يهدد أرواح موظفي الوزارة وموظفي باقي القطاعات والوزارات المختلفة، وبالتالي لا يمكن أخذ العينات إلا بعد انتهاء العمليات العدائية.
ويضف الوزير أنه بمجرد وقف إطلاق النار ستقوم الفرق المعنية من مختلف القطاعات بالعمل على إجراء الفحوصات اللازمة لمعرفة مدى تأثير الفوسفور الأبيض في المزروعات والتربة والمياه الجوفية.
ويختم الوزير بأن "إسرائيل" تريد اقتلاع الشعب اللبناني من جذوره كما اقتلعت أهل غزة والضفة الغربية بدليل أنها تقصف وتدمر أشجار الزيتون التي شهدت أول عجائب السيد المسيح في قانا الجليل. وإذا كانت الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة تستهدف كسر إرادة الجنوبيين واللبنانيين وكسر القطاع الزراعي والاقتصاد الوطني والإرادة الوطنية فإن "إسرائيل" لم ولن تتمكن من ذلك