التهديد الأميركي والغربي بتعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وصولاً إلى إنهاء عملها ليس جديداً، ومع كل عام ومع بتّ موازنة الوكالة في الأمم المتحدة، تسعى واشنطن جاهدة وتضغط على الدول الأعضاء في هذه المنظمة الأممية باستبدالها بأطر محلية خاصة في كل بلد يحتضن مخيمات فلسطينية، تتعاون مع الوزارات المعنية بشؤون اللاجئين. فالتلويح الغربي بإنهاء الوكالة التي تأسّست بعد نكبة فلسطين عام 1948 بعام واحد، كان يثير جدلاً في الدول العربية التي تأوي لاجئين فلسطينيين في المخيمات خوفًا من التوطين وإنهاء حق العودة. ولكن المستغرب في الأمر أنه لم يكن متوقعًا أبدًا أن تتواطأ أميركا وحلفائها على الوكالة في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي المستمر على قطاع غزة منذ حوالي أربعة أشهر، وفي ظل ظروف إنسانية صعبة تنذر بوقوع مجاعة كبرى في القطاع.
بات خبر وقف التمويل لوكالة "الأونروا" الذي أعلنت عنه تسع دول أجنبية، الحديث السائد عند سكان قطاع غزة، إلى جانب تبادل أخبار الحرب والحديث عن التهدئة، خاصة وأن هذه المنظمة الأممية باتت تعتبر الجهة الرئيسة الأساسية التي تقدم خدمات إغاثية للسكان الذين يعانون ويلات الحرب التي تقترب من دخول شهرها الخامس، وإن كانت هذه الخدمات قليلة جدًا وغير كافية.
وتشير التوقعات إلى أنه في حال عدم وجود حل عاجل لقرارات عدة دول مانحة، بتعليق دعمها المقدم للوكالة، إلى أن اللاجئين الفلسطينيين عمومًا، وسكان قطاع غزة تحديدًا، سيواجهون ظروفًا أكثر قسوة، خاصة وأن هذه الدول التي أعلنت عن وقف التمويل وهي الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وفنلندا وإيطاليا وسويسرا وهولندا وبريطانيا، كانت تقدم ما مجموعة 80% من التمويل.
ويخشى سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي من تردي أوضاعهم المعيشية بشكل أخطر مما هو عليه، في حال توقفت عملية التمويل لهذه المنظمة الأممية، التي تعاني بالأصل من نقص حاد في التمويل منذ عدة سنوات.
وأبدى العديد من النازحين في قطاع غزة خشيتهم من تردي أوضاعهم بشكل أخطر مما هو عليه الآن، ومن بينهم نازحون يقيمون في "مراكز الإيواء" التابعة لـ "الأونروا"، والتي تؤوي أكثر من 1.4 مليون نازح، من أصل 1.9 مليون نازح، تركوا منازلهم بسبب حرب الهمجية.
وحسب مصادر في "الأونروا"، فإن هناك مخاوف لدى قيادة هذه المنظمة، من تأثر خدماتها خلال الحرب الدائرة، الأمر الذي سيتأثر به السكان بشكل خطير، سيطال طعامهم وإيواءهم في "مراكز الإيواء".
وكانت سلطات الاحتلال ادعت أن هناك موظفين في "الأونروا"، شاركوا في الهجمات التي نفذها نشطاء الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وقد قامت "الأونروا" بعد ذلك بوقف عقود العديد من موظفيها، بناء على ادعاءات الاحتلال.
وفي دلالة على خطورة الموضوع قال فيليب لازاريني المفوض العام لـ "الأونروا"، إنه لأمر صادم أن يتم تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على ادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة بالنظر إلى الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة بإنهاء عقودهم وطلب إجراء تحقيق مستقل وشفاف.
وأشار لازاريني في تصريح صحافي إلى أن "الأونروا" هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في قطاع غزة، حيث يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة، مضيفًا أن الكثيرين يشعرون بالجوع في القطاع في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق.
وحث لازاريني الدول التي قامت بتعليق تمويلها على إعادة النظر في قراراتها قبل أن تضطر الأونروا إلى تعليق عمليات استجابتها الإنسانية.
وأشار إلى الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة، الذي ينص على ضرورة أن تتخذ "إسرائيل" تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي تشتد إليها الحاجة، لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة، مضيفًا أن "الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين، وخاصة الأونروا باعتبارها أكبر جهة فاعلة إنسانية في غزة".
رفض فلسطيني
في موقف موحّد، أدانت فصائل تحالف قوى المقاومة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في بيانيْن منفصليْن، تعليق تمويل الأونروا "استناداً إلى ادّعاءات إسرائيلية باطلة". وقال المتحدث باسم حركة حماس جهاد طه إن توقيت إعلان لازاريني إنهاء عقود 12 موظفاً قبل التحقيق معهم "يثير علامات استفهام، إذ إن ثمانية من هؤلاء تبيّن أنهم عبّروا عن مواقف مؤيدة عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يشاركوا في أي عملية". ووضع ما حصل "في سياق مشروع أميركي صهيوني. ومهما كان، نحن متمسّكون بالأونروا لأنها شاهد حي على قضية اللاجئين".
بدورها، الرئاسة الفلسطينية رفضت ما وصفتها بـ "الحملة الظالمة" التي تقودها حكومة الاحتلال الإسرائيلية ضد "الأونروا"، وقالت إن الحملة تهدف إلى “تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يتعارض مع القرار الأممي (302) الذي أُنشِئت بموجبه ولأجله وكالة الأونروا في 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 1949، والقرارات الأممية الأخرى المتعلقة بقضية اللاجئين كافة".
وطالبت الرئاسة الدول التي اتخذت موقفًا من "الأونروا" قبل انتهاء التحقيق في الاتهامات الموجهة إليها، بـ "التراجع عن هذه المواقف التي من شأنها معاقبة الملايين من أبناء شعبنا دون وجه حق بشكل لا إنساني، خاصة أنهم هجروا من أرضهم عام 1948، وما زالت إسرائيل ترتكب الجرائم بحقهم، وآخرها حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة".