بينما كان البشر مختبئين في منازلهم؛ خوفًا من وباء كورونا، كانت الطبيعة تتنفس الصعداء وتُجدد الهواء وتنظف ما أفسده البشر.
في أواخر عام 2019، تفشى وباء كورونا، أصبح حديث الشارع والمدينة في العالم كله، وبينما انغمس البشر في إيجاد حلول لحمايتهم من ذلك الوباء الشرس واتخاذ تدابير السلامة والجلوس في المنزل، انشغلت الطبيعة بترميم ذاتها من جديد وإصلاح ما أفسدته الأنشطة البشرية. الأمر الذي أثار فضول مجموعة دولية من الباحثين والعلماء الذين راحوا يستكشفون آثار جلوس الإنسان في منزله على جليد جبال الهيمالايا.
المفاجأة السارة هي أنّ معدل ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا قلّ، ونشر الباحثون ما توّصلوا إليه في دورية «آتموسفيريك كيمستري آند فيزيكس» (Atmospheric Chemistry and Physics) في سبتمبر/أيلول 2023.
منبع الحياة
تُشكل جبال هندوكوش الهيمالايا (HKH) ومرتفعات التبت في آسيا الوسطى أكبر منطقة مغطاة بالثلوج خارج القطبين. وتُغذي المياه الذائبة من هذه الأنهار الجليدية الأنهار الأخرى الموجودة في الهند والصين، مثل: السند والغانج واليانغستي. وذلك عندما يذوب ذلك الجليد في فصل الربيع؛ فيوفر نصف المياه العذبة السنوية لنحو 4 مليارات إنسان، ما يساعدهم في الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية.
بصمة التغير المناخي
لكن، يلعب التغير المناخي دوره في عملية الذوبان هذه؛ إذ تُشير الأبحاث إلى أنّ ذوبان الثلوج السريع في جبال الهيمالايا، قد يتسبب في اختفاء الأنهار الجليدية هناك بحلول نهاية القرن الـ 21.
وبالفعل صارت الأنهار الجليدية أرق من السابق، ونحتاج إلى عقود من أجل معالجتها. يأتي هذا التغير المناخي في ظل الأنشطة البشرية التي يمارسها الإنسان.
هل المحميات الطبيعية الحل الأمثل للحفاظ على أفيال السافانا؟
السخام، لمن لا يعرفه، فهو الكربون الأسود، وعلى الرغم من أنه لا يُذكر كثيرا في قفص الغازات الدفيئة المتهمة في قضية تغير المناخ، إلا أنّ هناك العديد من الدراسات التي تقول إنّ السخام يذيب الثلوج في الأنهار الجليدية أكثر من الغازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي. ومع تزايد الطلب على الطاقة في منطقة جنوب آسيا، المعروفة باحتوائها على مليارات البشر، شهدت تلك المناطق زيادة كبيرة في انبعاثات غازات الدفيئة وجزيئات السخام في العقود الأخيرة، مما أدى إلى زيادة ذوبان الجليد. ليس ذلك فقط، بل أيضًا تلوث الجليد بالسخام.
كوفيد19: رب ضارة نافعة
عانى الاقتصاد العالمي والصناعات الكبرى؛ بسبب وباء كورونا، الأمر الذي قلل انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عن الصناعة حركات النقل والشحن واستهلاك الطاقة بصورة حادة بين شهري مارس/آذار ومايو/أيار 2020. لذلك راح الباحثون يحللون بيانات الأقمار الصناعية في ذلك الوقت، وصمموا نموذجا للمحاكاة، ووجدوا أنّ نسبة السخام قد انخفضت نحو 25 إلى 350 ميكروغراما لكل كيلوغرام من الثلج في ربيع 2020، وهذا يعادل ثُلث تركيز السخام في الجليد.
وانخفض ذوبان الجليد بنسبة تتراوح بين 25 إلى 70 ملم في ذلك العام مقارنة بمتوسط 20 سنة. كما أظهر النموذج الذي أعده العلماء انخفاض تلوث الهواء، الذي قلل من ذوبان الجليد في ربيع 2020 بمقدار 0.5 إلى 1.5 ملم يوميًا. هذا يسهم في خفض كمية المياه الذائبة الجارية حتى النصف.
منذ عام 2000، فقدت الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا نحو 0.5 متر سنويا من الجليد، لكن إذا تمكنا من تقليل التلوث مثل فترة جائحة كورونا نستطيع تفادي فقدان جليد الهيمالايا وتوفير المياه في صورة جليد، ويصبح هواؤنا نظيفًا.