صحيفة الأخبار ـ أحمد العبد ـ
بالتوازي مع استمرار الحرب على قطاع غزة، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مسلسل التضييق على الفلسطينيين في الداخل المحتل، مستهدفةً، في آخر فصوله، جهاز التربية والتعليم العربي؛ إذ صادقت «لجنة التربية والتعليم» في «الكنيست» الإسرائيلي، أخيراً، بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون يهدف إلى فرض رقابة أكثر إحكاماً على المعلمين والمعلمات الفلسطينيين داخل «الخط الأخضر»، بذريعة مكافحة «الإرهاب».
على أن الرقابة على هذا الجهاز ليست جديدة، بل عملت "إسرائيل"، منذ احتلالها فلسطين، على إحكام السيطرة عليه، من خلال تعيين ممثل لجهاز «الشاباك» في مكاتب وزارة التعليم للمشاركة في انتقاء معلمين فلسطينيين منعزلين عن قضايا شعبهم، إلى جانب السيطرة الفعلية على مناخ المدارس. إلا أنه في عام 2005، قدّم «مركز عدالة» التماساً وتم التوقّف عن تعيين ممثل لـ«الشاباك»، لكن هذا الأخير ظلّ يقدّم توصياته بشأن العديد من القضايا المرتبطة بالتعليم، ومن بينها تعيينات المعلمين والمعلمات، بعد إخضاع هؤلاء لإجراءات الفحوصات الأمنية والمراقبة.
وطالبت وزارة القضاء الإسرائيلية، خلال مناقشات مسوّدة القانون الجديد، بتقليص الصلاحيات التي يمنحها القانون الجديد لجهاز «الشاباك»، والتي ستمكّنه في حال إقرار المشروع بعد القراءتين الثانية والثالثة، من إقصاء أيّ موظف وفصله إدارياً، من دون منحه الحق في الاعتراض على القرار الذي لا يستند إلى محكمة، في حال ثبُوت أنه يتماهى مع «الإرهاب»، أو يؤيد نضالاً مسلحاً لدولة عدوة للكيان أو تنظيم معادٍ له. كما يتيح المشروع الجديد إمكانية منع تحويل ميزانية إلى أيّ مؤسسة تعليمية أهلية، وفقاً لرأي وزير التربية والتعليم، إذا ثبت أن طاقم المدرسة يتماهى مع «منظمة إرهابية» أو «عمل إرهابي». وتبدو مدارس القدس العربية، والحال هذه، في عين العاصفة، من جراء التلويح بحرمانها من الميزانيات المالية المستحقة لها، ومحاولة فرض المناهج التعليمية الإسرائيلية عليها.
هكذا يتعامل القانون مع المعلمين وجهاز التعليم برمّته، وفق اعتبارات أمنية تضع هؤلاء في محلّ اتهام وتشكيك، ووسط رقابة دائمة، حتى يثبت عكس ذلك. ويتّسق هذا المشروع مع السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الداخل، والتي تراهم بمثابة «تهديد» للكيان، في أيّ مواجهة مستقبلية؛ ولذا، تمتاز العلاقة معهم، وخاصة خلال الحرب، بطابع الحكم العسكري، مؤسساتياً، والعداء والتحريض والعنصرية مجتمعياً، علماً أن مصطلح «الإرهاب» فضفاض وغير محدد، وقد يؤدي الوسم به إلى معاقبة كل من يعارض الحرب أو يبدي تضامناً مع الأطفال الشهداء، على سبيل المثال.
والجدير ذكره، هنا، أن مشروع القانون أعدّه عضو في حزب «الليكود»، في محاولة لا تُعَدّ الأولى لاستهداف جهاز التعليم، إذ سبق أن قدّم حزب «عوتسما يهوديت» مشروع قانون شبيهاً، قبل عام. وقد استفاد المشروع الجديد من سابقه واندمج معه، فيما جرى التوجّه إلى صياغته وطرحه في أعقاب إجراءات نفذتها «وزارة المعارف» الإسرائيلية إثر عملية «طوفان الأقصى»، من بينها فصل كل معلمة أو معلم نشر تغريدات عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبّر عن أي موقف أو رأي يحمل «مديحاً أو تعاطفاً أو تشجيعاً» إزاء العملية، أو حتى معارضة الحرب على القطاع.
وفيما تنظر بعض الأطراف في أجهزة الاحتلال الأمنية إلى القانون الجديد على أنه محاولة من اليمين لإخضاع كل المؤسسات لاعتباراته السياسية وتعميق هيمنته عليها، يدرك فلسطينيو الداخل أن هذا القانون يندرج ضمن حرب الرواية والثقافة والتهويد التي تشنّ ضدهم، والهادفة إلى سلخهم عن عمقهم الفلسطيني وقضيتهم. كذلك، يستهدف القانون خلق جيل منسلخ عن هويته الفلسطينية، عبر تكريس الأسرلة، بعد فشل عقود من تلك المحاولات، وهي ما تجلّت في «هبّة النقب» وإسقاط مخطط «برافر» عام 2013، بالإضافة إلى «هبّة أكتوبر» عام 2000، و«هبّة الكرامة» عام 2021.
وكانت مؤسسات الاحتلال قد صعّدت من استهدافها لفلسطينيّي الداخل، تحت غطاء «أنظمة الطوارئ» المتّبعة في ظل الحرب. كما صادق «الكنيست» على قانون يحظر على الأفراد «استهلاك المحتوى والمضامين الداعمة للإرهاب»، وفرض عقوبة السجن الفعلي لمدة عام على من يدان بذلك، على أن يبقى القانون سارياً لعامين مع إمكانية تمديده. أيضاً، صادقت اللجنة الوزارية للتشريع على توسيع «قانون محاربة الإرهاب»، ومنح صلاحيات لوزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بالإعلان عن مواطن بمثابة «ناشط إرهابي»، فيما جرت صياغة مذكّرة قانون تجيز سحب الإقامة والجنسية من مواطنين إسرائيليين بزعم «التحريض على الإرهاب ودعمه في وقت الحرب».
وفي هذا السياق، ذكر «المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية» في حيفا، في «ورقة موقف» أصدرها، أن «إسرائيل فعّلت أدوات تكميم الأفواه والإخراس والترهيب، تجاه فلسطينيّي 48، في ظلّ الحرب، بهدف منعهم من التعبير عن مواقف معارِضة للحرب ورافضة للقتل والدمار ومسانِدة للفلسطينيين في قطاع غزة، وباتت تعتبر كل مقولة أو تصريح أو تغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن موقف مبدئي مُعارِض للحرب، أو ضدّ قتل المدنيين، أو تتعاطف مع سكان غزة، على أنها موقف داعم لحركة «حماس»»، ما خوّلها تقديم العشرات منهم إلى المحاكمة. ومن جهته، أكّد «مركز عدالة» أن «معظم التحقيقات والشبهات تمحورت حول المخالَفة لقانون العقوبات، والمخالَفة لقانون «مكافحة الإرهاب»».