العربي الجديد ـ أمجد ياغي ـ
أفرج الاحتلال الإسرائيلي في بداية شهر فبراير/شباط الحالي، عن أكثر من 100 معتقل، من بينهم نساء وأطفال، أكدوا تعرضهم للتعذيب، ضمن أعداد كبيرة اعتُقلت من مدينة خان يونس التي شهدت خلال الأيام الأخيرة اقتحام مركبات الاحتلال، وتركز القصف، رغم أنها كانت ضمن المناطق الآمنة خلال الشهرين الأول والثاني من العدوان.
ولا يبالي جنود الاحتلال باحتياجات المعتقلين الإنسانية أثناء فترة التحقيق، بل يمنع عنهم حتى مياه الشرب لأيام، كما حصل مع المسن عزيز حمد (61 سنة)، والذي يؤكد تعرضه للتعذيب والإذلال، وأن الجنود كانوا يعذبون الرجال أمام الأطفال، ويكررون التهديدات بالقتل، ولا يبالون بالبرد القارس الذي يشعرون به في الشادر المنصوب كمنطقة تحقيق.
يقول حمد "بقيت لمدة أربعة أيام من دون طعام أو مياه، وعندما طلبت من جندي أن أبل ريقي بالمياه، أمسك الزجاجة وأفرغها أمامي على الأرض، حتى يزيد من سوء حالتي النفسية. ضربوني في صدري وفي ظهري لأني رفضت الحديث معهم، وأنا رجل كبير في السن، وعندما أريد النهوض يساعدني أحد الشباب، حتى عندما أفرجوا عني ساعدني بعض المعتقلين".
وجرى نقل المعتقلين المفرج عنهم إلى المستشفيات، مثل مجمع ناصر الطبي، بعد الانسحاب الجزئي للاحتلال، ومنهم من لحقوا بعائلاتهم إلى مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح لتلقي الإسعافات الأولية، والاطمئنان على عدم تضرر أجسادهم من التعذيب، ومن بينهم أعداد من أصحاب الأمراض المزمنة.
وكانت آثار التعذيب ظاهرة على أجساد المعتقلين المفرج عنهم، والذي تعرضوا له داخل السجون الإسرائيلية، أو داخل منازل مدمرة حولها الاحتلال إلى ثكنات عسكرية طوال فترة اعتقالهم. من بين هؤلاء أحمد أبو جراد (51 سنة)، وهو مصاب بمرض سرطان الغدة الدرقية، لكن جنود الاحتلال لم يصدقوه رغم أنه طلب منهم أن يحضروا طبيباً لفحصه والتأكد من حالته الصحية.
كان أبو جراد يحمل حقيبة تضم علاجه عندما جرى اعتقاله من مدينة خانيونس، لكن جنود الاحتلال صادروها، وقد تعرض على مدار يومين للضرب على الرأس والظهر، وجرى تهديده بالقتل، واعتقال بقية عائلته، وكان المحققون يسألون عن المنطقة التي يعيش فيها.
يقول أبو جراد: "أنا من مخيم البريج، ولم أستطع مغادرة المخيم بسبب المرض، واعتقلت لمدة سبعة أيام، وجميعنا كنا نجهل أماكن اعتقالنا، وقد تنقلنا بين أماكن عدة خلال الفترة الأخيرة، وكنا لا نرى شيئاً، لكن نعتقد أنها مناطق في داخل غزة بسبب شدة الدمار رغم أنه لا توجد ملامح لأي منطقة. بتنا ثلاثة أيام في البرد، وكان معنا الكثير من أصحاب الأمراض المزمنة، لكن كلنا بنظر جنود الاحتلال كذابون، والجميع تعرضوا للتعذيب، ولم نكن نستطيع النوم، ولا نحصل على طعام ولا شراب، وكنا مكبلين بالقيود الحديدية، وعندما عرضوني بعد الإفراج عني على الطبيب أخبرني بأن حالة يدي خطيرة لأنني نزفت لثلاثة أيام، ما تسبب في التهابات".
وأجبر الاحتلال الغزيين على النزوح عبر الممرات "الآمنة"، لكنه في المقابل كان يقوم باعتقال العديد منهم بشكلٍ عشوائي. يقول بسام جودة (27 سنة)، إنه اعتُقل من داخل الممر الآمن في مدينة خان يونس، وعلى مدار ستة أيام كان يتعرض للتحقيق والتهديد والتعذيب.
يضيف جودة: "كان هناك الكثير من المرضى والمسنين والأطفال معنا، وكان الجميع يعاملون بالمعاملة السيئة نفسها. كانوا يضربون الكبار والصغار، ولا يبالون بالسن ولا المرضى. كانوا يسألونني عن المكان الذي نزحت منه، ومن كان معي، وكلما قلت إنني لا أعرف شيئاً يزيد التعذيب".
ويشير المسن محمود النابلسي (68 سنة)، والذي وصل إلى مدينة رفح بعد الإفراج عنه خلال الأسبوع الماضي، إلى أن قوات الاحتلال اقتحمت منزله في حي الأمل بمدينة خان يونس، ثم اعتقلوه، رغم أن من كان معه في المنزل كانوا يقولون لهم إنه مريض، ولا يستطيع الحركة بمفرده، لكنهم لم يبالوا، وخلال التحقيق كانوا يسألونه عن الأنفاق، وعن المحتجزين الإسرائيليين.
يضيف النابلسي: "اعتقلوني بطريقة عديمة الإنسانية، ووضعوني في بيت متهدم، ولا أعرف مكانه بالتحديد، ثم وضعوني مع آخرين في آليات عسكرية مكشوفة، وكان الجو بارداً، وكانت الأمطار تتساقط فوقنا ونحن شبه عراة، وبقينا لمدة 10 أيام داخل السجن، وهناك تعرّضنا للضرب والتعذيب والشتم. أنا مسن، وأعاني من آلام في المفاصل ومشاكل في الأعصاب، وكثيراً ما كنت أبكي من شدة الآلام، لكن التعذيب لم يكن يتوقف".