الأوضاع الكارثية التي سببتها الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تركت آثارها على أطفال غزة، حيث يصعب العثور على الحفاضات وعلب حليب الأطفال، أو قد ترتفع أسعارها إلى حد لا يمكن تحمله، ما يدفع الآباء إلى البحث عن بدائل غير كافية أو حتى غير آمنة.
يضاعف تأزم الأوضاع الإنسانية في غزة وصول المساعدات الشحيحة على فترات جراء القيود التي يفرضها الاحتلال على دخول المساعدات.
زينب الزين، لم تقدر على رؤية ابنتها الرضيعة ليندا تتضور جوعا بسبب نقص حليب الأطفال في القطاع المحاصر، فاضطرت لإطعامها مأكولات صلبة منذ كان عمرها شهرين ونصف الشهر، مع علمها أن هذا الاختيار قد يفضي إلى مشكلات صحية للرضيعة، وربما قد لا يتمكن جسدها الصغير من هضمها.
يوصي مقدمو الرعاية الصحية الآباء بالانتظار حتى تبلغ أعمار أطفالهم 6 أشهر قبل إطعامهم مأكولات صلبة
وبينما كانت تطعم ابنتها الباكية البسكويت المطحون في خيمة باردة يسمونها الآن منزلا، قالت زينب: "أعلم أننا نفعل شيئًا ضارًا لها، لكن لا يوجد أي بديل آخر.. إنها تبكي بشكل مستمر".
وقالت زينب بينما كانت تحاول إطعام طفلتها الرضيعة، التي كانت تتأرجح على كرسي للأطفال وملتفة بغطاء ثقيل وتبكي باستمرار: "هذا معروف بالطبع بالطعام غير الصحي، ونعلم أنه يسبب لها التلبك المعوي والانتفاخ والمغص.. ماذا بوسعي أن أفعل؟".
أطفال غزة.. يبدأون الكفاح منذ الولادة
ويعد إطعام زينب طفلتها البالغة من العمر الآن أربعة أشهر البسكويت والأرز المطحونين بدلا من الحليب خيارا صعبا، يعني أيضا ضرورة التردد على مستشفى محلي يتعرض – شأنه شأن نظام الرعاية الصحية في غزة بشكل عام - لضغوط شديدة بسبب الحرب.
عادة ما يوصي مقدمو الرعاية الصحية الآباء بالانتظار حتى تبلغ أعمار أطفالهم 6 أشهر قبل إطعامهم مأكولات صلبة. وخلصت الأبحاث إلى أن الأطفال الذين تتم تغذيتهم بالطعام الصلب في سن مبكرة للغاية يكونون أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض المزمنة.
وتشير تقديرات وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إلى أن 20 ألف رضيع تصل أعمارهم إلى 6 أشهر يحتاجون إلى حليب الأطفال الذي تقوم الوكالة الأممية بتوزيعه إلى جانب المستلزمات الأخرى التي تشمل أيضا الحفاضات والنقود.
يقول رأفت أبو وردة، وهو أب لطفلين رضيعين يحتاجان إلى حفاضات: "بعت طعام أطفالي كي أتمكن من شراء حفاضات".
في أكشاك مؤقتة بالشوارع، يبيع الأطفال الأكبر سنا الذين يعملون كباعة جائلين، حفاضات بالقطعة. سعر القطعة الواحدة يراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة شيكلات (من دولار واحد إلى 1.50 دولار)، بينما يصل سعر العبوة الكاملة إلى 170 شيكلا (46 دولارا)، وكان ثمنها قبل الحرب 12 شيكلا (3.50 دولارات) فقط.
وفي السياق، قال أنيس الزين، الذي كان يشتري حفاضات من أحد الشوارع وسط مدينة دير البلح، ولا تربطه صلة قرابة بزينب، إن "أسعار الحفاضات غير منطقية بالمرة.. للطفل الواحد يكلفك شراؤها 20 شيكلا (5 دولارات)، في اليوم. وفي ظل وضع سيئ كهذا، على وجه الخصوص، كل الأسعار مرتفعة ولا يوجد دخل للناس. ولا توجد حتى مساعدات".
بينما يضطر بعض الآباء إلى استخدام الحفاضات القماشية، ولكنها تتطلب الغسل بالماء، وهو شيء نادر أيضا، إذ قالت وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، هذا الأسبوع، إن معظم النازحين الجدد لا يحصلون إلا على لتر أو لترين من الماء يوميًا للشرب والطهي والاغتسال، مضيفة أن الإسهال المزمن بين الأطفال يتزايد.
وقد أدى نقص الحفاضات إلى تفاقم الأوضاع الصحية المزرية بالفعل لما يقدر بنحو 1.7 مليون فلسطيني نازح، تكدس العديد منهم في ملاجئ مكتظة.
وترى "يونيسف" أن احتياجات الرضع تشكل جزءًا من تهديد أوسع نطاقًا يواجه جميع أطفال القطاع دون سن الخامسة والبالغ عددهم 335 ألفا، المعرضون بشدة لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة التي يمكن الوقاية منها.
ولا تصل المساعدات إلى الجميع في القطاع، كما أدى نقص السلع الأساسية إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ومع استهداف الاحتلال الإسرائيلي تدمير البنية التحتية والاقتصاد في غزة، فإن القليل من الفلسطينيين لديهم دخل منتظم، ومعظمهم إما يستنزف مدخراته أو يعيش على الإعانات.
كما أن النازحين الفلسطينيين باتوا يتكدسون في مناطق أكثر ضيقًا بالقطاع الساحلي الصغير، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض، التي يتعرض لها الأطفال الذين يعانون سوء التغذية على نحو خاص.
وقالت الأمم المتحدة إن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك، حيث يعاني ربعهم من الجوع بالفعل.