الأخبار ـ أحمد العبد ـ
منذ السابع من أكتوبر، حوّلت سلطات الاحتلال سجونها إلى جحيم حقيقي، تمارس فيه كل أصناف الإجرام، من قتل وتعذيب وإهانة، في ظلّ تغييب المؤسّسات الحقوقية وأيّ وسائل للاتصال، والتعتيم الكبير الذي تفرضه إدارة السجون، وتعمُّدها عزل الأسرى عن العالم، إلى جانب تخوّف هؤلاء من عواقب الإدلاء بشهاداتهم. وتسلّط شهادات الأسرى المفرَج عنهم، الضوء على جانب بسيط ممّا يجري هناك، وآخر وجوهه ما كشفته «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين»، أول من أمس، من تعرُّض أسير لم تَنشر اسمه لمحاولة إعدام بعد دهس الجنود له على حاجز، حيث جرى اعتقاله.
ووفقاً للهيئة، فإن قوات الاحتلال اقتادت الأسير إلى مكان مجهول لمدّة يومين، معرّضةً إياه للضرب الوحشي والصعق بالكهرباء، إلى جانب التهديد المستمرّ بإعدامه بالسلاح، فضلاً عن السبّ والإهانات وحرمانه حتى من المياه. وبعد مماطلة استمرّت لأسابيع، تمكّن محامي الهيئة، أول من أمس، من زيارة سجن «الدامون» للأسيرات، حيث وثّق شهادات عدة، أبرزها تحويل إدارة السجن مياه الشرب إلى وسيلة عقابية، عبر تعمّد تلويثها بالأتربة والأوساخ، إضافةً إلى دمجها بنسب عالية من مادة الكلور. وفي شهادتها، قالت إحدى الأسيرات، للمحامي، إن «الماء يقدَّم إلينا فاقداً لنقائه، إلى درجة أنه يصبح غير صالح للشرب والاستخدام، ما يدفع المعتقلات إلى سكبه في أوعية وتركه جانباً حتى تترسب الأوساخ والأتربة، وبعد ذلك شرب الماء الذي يطفو على السطح».
وفي الإطار نفسه، نشرت وزارة القضاء الإسرائيلية، أمس، تقريراً اعترفت فيه بأن آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية يقبعون في ظروف غير إنسانية، تفاقمت في أعقاب الحرب على غزة، حيث أضيف إلى القائمة قرابة 3400 أسير اعتقلوا من القطاع والضفة الغربية. وأُعدّ التقرير، الذي لم يميّز بين الأسرى الأمنيين والجنائيين، على ضوء زيارات أجراها محامي إحدى وحدات الوزارة في كانون الأول الفائت، إلى سجون «الكرمل» و«الدامون» و«إيشل» ومعتقل «المسكوبية» في القدس، حيث وجد أن الأسرى «يُحتجزون في ظروف صحية متردّية، وظروف نظافة سيئة، وزنازين مليئة بالحشرات، كما أن التهوئة فيها سيئة». وكانت «لجنة الأمن القومي» في «الكنيست»، قد صادقت، في تشرين الأول الماضي، على خرق ظروف الاعتقال التي أقرّتها «المحكمة العليا»، معلنةً «حالة طوارئ في السجون»، ما سمح لسلطات الاحتلال تالياً بانتهاك الحقوق الأساسية للأسرى. وفي أعقاب ذلك، أصبح آلاف الأسرى يبيتون على فرشة توضع على الأرض في الزنازين المكتظّة.
ونقل التقرير عن السجّانين في معتقل «المسكوبية»، قولهم إنه يوجد متّسع لـ170 معتقلاً في الحدّ الأقصى، ولكن هذا العدد ارتفع بعد الحرب ليصبح 230. وأثناء زيارة المحامي، «كانت هناك أسِرّة غير مفروشة، فيما فسّر السجانون إزالة الفرش من الزنازين بأنه يتم بموجب أنظمة مصلحة السجون تجاه المعتقلين الأمنيين»، فضلاً عن قطع الكهرباء وإخراج الأغطية يوميّاً بين الساعة الخامسة فجراً والساعة التاسعة مساء. واشتكى الأسرى، وفقاً للتقرير، من انقطاع الكهرباء عن زنازينهم أثناء تناولهم وجبات الطعام، ما يضطرّهم إلى تناولها في الظلام. ومنذ بدء الحرب على غزة، أُلغيت إمكانية خروج الأسرى إلى ساحة المعتقل، ما جعل قسماً معتبَراً منهم محرومين من النور طوال أيام اعتقالهم.
وتعليقاً على الوضع المتردّي في السجون، قالت مسؤولة الإعلام في «نادي الأسير»، أماني سراحنة، في حديث إلى «الأخبار»، إن وتيرة الاعتداءات والتنكيل والتعذيب والضرب في السجون، مستمرّة في التصاعد منذ السابع من أكتوبر، وهو ما يُوثّق ويُسجّل خلال الزيارات القليلة للمحامين، وعبر شهادات الأسرى المفرج عنهم. ولفتت سراحنة إلى أن سياسة الاحتلال التعسفية مسّت بكلّ جوانب الحياة في السجون، وطالت أدنى الحقوق التي كان الأسير يتمتّع بها، وصولاً إلى حدّ تفعيل سياسة التجويع التي تَركت آثارها على الأسرى صحيّاً وجسديّاً، في ظلّ تناولهم كميات قليلة من الطعام ذات جودة سيئة جداً، ما تسبّب في إصابة العشرات منهم بالأمراض وفقدانهم وزناً. كذلك، يعاني الأسرى، وفقاً لسراحنة، من البرد الشديد في السجون، إذ لا توجد ملابس كافية لديهم لارتدائها، بعدما حدَّدت الإدارة غياراً واحداً لكلّ أسير، كما لا توجد لديهم ملاءات تقيهم صقيع الشتاء، أو أيّ وسيلة للتدفئة، فضلاً عن حالة الاكتظاظ الكبيرة في المعتقَلات، ما وفّر بيئة لانتشار الأمراض والأوبئة. ويضطرّ بعضهم، في هذه الظروف، إلى غسل ملابسهم وارتدائها مبلّلة، بسبب عدم توافر بديل، فيما آخرون لم يبدّلوها منذ أسابيع أو أشهر، ما تسبّب لهم في أمراض. أيضاً، أكد عدد منهم، في شهاداتهم، أنهم يمضون الليل وهم يرتجفون من البرد، وخصوصاً في سجن النقب الذي يقع في منطقة صحراوية عادةً ما تشتدّ فيها البرودة.
وأشارت سراحنة إلى أن «الواقع المأساوي في السجون لا يمكن وصفه؛ فالإجراءات التنكيلية التي ترتكبها مصلحة السجون تندرج في إطار التعذيب الممنهج والانتقام، فيما يُخشى من تثبيت تلك السياسات وترسيخها لزمن طويل»، مضيفة أن التحوّل الأبرز يتّصل بالاعتقال الإداري، الذي طال غالبية الأسرى، حتى فاق عدد المستهدَفين به عدد الأسرى المحكومين أو الموقوفين، ومنهم أطفال ونساء. وعن مسألة الاختفاء القسري الذي يتعرّض له الأسرى الغزيون خصوصاً، أكدت سراحنة أن هذه المسألة باتت تمثّل التحدّي الأكبر للمؤسسات الحقوقية والقانونية، بخاصة في ظلّ المستويات العالية من الوحشية والإجرام، والتي وصلت إلى حد الإعدام.