لطيفة الحسيني ـ موقع العهد
في الحروب والأزمات تظهر معادن الناس. المواجهة المستمرة جنوبًا ردًّا على الاعتداءات الاسرائيلية كانت مناسبة يُجدّد فيها شعب المقاومة وفاءه لخطّها وقراراتها وخياراتها. المعارك التي يخوضها المجاهدون طالت وتتواصل للشهر الخامس، وأبناء القرى الحدودية صامدون بوجه آلة القصف والقتل الاسرائيلية. البعض منهم ممّن يسكن في الخطوط الأمامية، قرّر النزوح الى مناطق أخرى وصولًا الى بيروت.
ولأنّ للقصة بقية، تنشط أكثر من جهة في لبنان من أجل احتواء النازحين مع تصاعد حدّة الغارات الاسرائيلية واستهداف المدنيين جنوبًا. جمعيات ومجموعات تعمل على تكريس مبدأ التكافل الوطني والاجتماعي في هذا الظرف الدقيق. على لائحة هذه الخطوات، يبرز البقاع وتحديدًا الشمالي حيث الهرمل. فعاليات المنطقة وحزب الله مُنكبّون على مواكبة هذه المحنة على طريقتهم، كي يؤدّوا واجبهم نحو أهلهم الجنوبيين.
حزب الله في مقدّمة المُبادرين
الحاج عباس الجوهري، مسؤول ملفّ النازحين في حزب الله في مدينة الهرمل والمُكلّف بملفّ النازحين من قبل اتحاد بلديات الهرمل تحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن الجهد الذي يبذله الحزب لمساعدة من يقصد الهرمل كنازحٍ يحتاج الى إيواء، فيقول "بعد بدء معركة حزب الله في الجبهة الجنوبية المساندة لغزة، ترك بعض سكان القرى الجنوبية بيوتهم وتوجّهوا الى الهرمل حيث لهم أقارب ومعارف أو تجمعهم ببعض العائلات فيها علاقة مصاهرة. غير أن ذلك لم يتحوّل الى ظاهرة في الشهر الأول من الحرب"، ويضيف "في الشهر الثاني، مع توسّع دائرة المواجهات وبدء استهداف المدنيين، بدأ يتبيّن لنا وجود عدد من النازحين، وعلى الفور باشرنا التواصل معهم".
بحسب الجوهري، سريعًا بدأ عدد من المبادرات يظهر في الهرمل في سياق احتضان النازحين من الجنوب، وتوزّعت هذه المبادرات على جمعيات اعتادت اتخاذ هكذا خطوات في الأزمات. إلّا أن الهيئة العليا للإغاثة حصرت تواصلها مع النازحين الجنوبيين من خلال غرفة إدارة الكوارث الموجودة في محافظة بعلبك الهرمل، وتبيّن لاحقًا أن عملها كان يقتصر على إيصال بطانيات للتدفئة وبعض الأدوات.
نوعٌ ثانٍ وشائع من المبادرات بانَ أيضًا في الهرمل على صعيد الأهالي والأفراد، ومنه إعلان أصحاب المقاهي على نهر العاصي وضع الشاليهات المفروشة التي يمتلكونها في تصرّف من يأتي نازحًا من الجنوب، وكذلك أُعلنت قبل أيام مبادرة من أبناء المنطقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد الاستعداد لاستضافة أهالي الجنوب النازحين جراء القصف الاسرائيلي، وفق ما يُفيد الجوهري.
ويلفت محدّثنا الى أن حزب الله أيضًا في الصورة، إذ تحرّك باكرًا من أجل إنشاء ملفّ نزوح يتضمّن بيانات النازحين، وقد بدأ منذ شهر 12 بتقديم مقطوعة مالية ومساعدة تموينية الى النازحين، إضافة الى بدلات من أجل استئجار شقق ومنازل في الهرمل، فضلًا عن عناية صحية شاملة لكلّ نازح في مستشفيات المنطقة وصيدلياتها.
وإذ يوضح الجوهري أن عدد النازحين تخطّى في المرحلة الأولى الـ25 عائلة، يُشير الى أن هناك اليوم نحو 15 عائلة نازحة في نطاق الهرمل و5 عائلات فقط في القرى اللبنانية داخل الحدود السورية، ويتحدّث عن أن المعنيين بملفّ النزوح في المدينة والقائمقاميات تبلّغوا رسميًا من محافظة بعلبك الهرمل تشكيل خليّة نزوح.
مبادرة أهلية في الهرمل: لن نترك الجنوبيين
بالموازاة، وُقّع بتاريخ 15 شباط بيانٌ من "أهالي الهرمل"، يدعو أهالي الجنوب الصامد الذين اضطروا إلى ترك قراهم أو تضرّرت منازلهم أو تهدّمت، الى التوجّه الى الهرمل والسكن فيه إلى حين عودة الاستقرار الى القرى المهدّدة.
ياسر ناصر الدين، من فعاليات الهرمل، وهو من المنضمّين الى هذه المبادرة، يؤكد في حديث لـ"العهد" أن هناك إجماعًا لدى أبناء مدينته على احتضان النازحين، انسجامًا مع قناعتهم ومواقفهم المؤيّدة لخطّ المقاومة، ويقول "نحن من عاداتنا إكرام الضيف فكيف إذا كان هذا الضيف يدافع عن كراماتنا وأرضنا؟"، ويتابع "منطقتنا معروفة بأنها منطقة غيرة وحميّة وعليه منازلنا مفتوحة لكلّ المُهجرين وكل ما هو مطلوب من أجل خدمتهم نحن مستعدون لتأمينه.. كل بيت في الهرمل حاضرٌ لاستقبال عوائل الجنوب، ومن يستشهد فداءً للأرض في الجنوب نهبّ من أجل نصرته حتى لو لم نعرفه لأن الكرامة خطّ أحمر".
وإذ يُشير الى أن "الهرمل بمعزل عن أنها مُهملة من الدولة، تستطيع المساعدة واحتضان أبناء القرى الحدودية وهذا من الثوابت لدينا، فاستقبال الضيوف يُعدّ من بناء البيت الأساسي طبقًا لثقافتنا وتربيتنا"، ويجدّد عبر "العهد" دعوته كلّ النازحين الجنوبيين للقدوم الى الهرمل والسكن فيها طيلة فترة الحرب.
الناشط الاجتماعي والسياسي محمد علام من المُشاركين أيضًا في المبادرة، ويشدّد في حديثه لـ"العهد" على أن الدعوة صادرة عن مجموعة من فعاليات الهرمل وشبابها وهي تعكس توجّهات كلّ أبنائها وموقفهم الداعم للمقاومة، ويضيف "نحن مستعدون لتقديم كلّ مساعدة وعملية إيواء لعائلات نازحة من القرى الجنوبية، ومصرّون على تأمين ملجأ لكلّ من يقصدنا في الهرمل. حتى أننا نتمنى أن نعيش هذا الوضع معهم لنشاركهم كلّ شيء"، ويوضح أن "كلّ أرزاقنا وأراضينا وما نملك نقدّمه في سبيل خدمة وإيواء أيّ نازح جنوبي".