يوسف فارس ـ الأخبار
للشهر الثالث على التوالي، يستمر مسلسل تجويع سكان شمال وادي غزة؛ إذ منع جيش الاحتلال دخول شاحنات المساعدات والبضائع، منذ نهاية الهدنة المؤقتة، في اليوم الـ55 للحرب، إلى مناطق مدينة غزة وشمالها، حيث يسكن نحو 700 ألف إنسان، رفضوا إخلاء المناطق التي يسكنونها في ذروة العملية البرية.
هناك، استنفد الأهالي كل ما يمكن أكله؛ إذ لم يتبقّ شيء من كميات الدقيق الأبيض منذ اشهر، فيما نفدت أيضاً كل أنواع أعلاف الدواب، والتي كان البعض قد تمكنوا من الوصول إليها عقب الانسحاب الإسرائيلي من الأحياء الشرقية للقطاع. تعطيك جولة واحدة في أسواق مخيم جباليا والشيخ رضوان، انطباعاً عن ما هو متوافر من سلع: كميات محدودة جداً من مطحون الشعير والتبن وأعلاف الأرانب، يناهز سعر الكيلو الواحد منها الـ30 دولاراً، علماً أنها مخصّصة فقط للدواب والبهائم، ولم يكن يتجاوز سعر الكيلو منها قبل الحرب الدولار الواحد، وإلى جانبها كميات محدودة جداً كذلك من المعلّبات، التي تضاعفت أسعارها بخمسة أضعاف، وكميات وافرة من المكسرات الفاخرة، التي لم يكن سكان القطاع يستطيعون شراءها في الوضع الطبيعي، فضلاً عن الليمون وحشائش الأرض الموسمية.
في اليومين الماضيين، سمح جيش الاحتلال بإدخال سبع شاحنات من الدقيق الأبيض، مشترطاً على سائقيها أن لا تتجاوز نقطة معينة على شارع الرشيد غربي المدينة. هناك، تجمع أكثر من مئتي ألف إنسان، محاولين الحصول على حصتهم من الطحين. ولدى وصول الشاحنات التي اتضح أنها لا تحوي مجتمعة سوى حمولة شاحنة واحدة، تدافع عشرات الآلاف من المواطنين، وخاضوا «معركة» لأجل الحصول على كيلو واحد من الطحين. ويقول مصدر في «لجنة الطوارئ» في مناطق شمال غزة، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «جيش الاحتلال يتعمّد إثارة الفوضى، ويمنع وصول الشاحنات إلى أيٍ من لجان التأمين الحكومية، ويبادر إلى قصف أي شرطي يقترب من الشاحنات»، مضيفاً أن «إدخال الشاحنات هو خطوة شكلية، إذ اتضح أن كل شاحنة من الشاحنات السبع لا تحتوي إلّا على ربع حمولتها، وقد ذهبت كميات الطحين إلى شخصيات متنفذة خارجة عن القانون، ولم يصل منها أي شيء إلى أيادي الأهالي».
وفي خلفيات تلك الممارسات، توضح شهادات المئات من المواطنين الذين أفرج عنهم أخيراً بعد اعتقال دام أشهراً، طبيعة ما يكنه جيش الاحتلال ضدّ من صمدوا في شمال غزة. ويقول أحد المفرَج عنهم، في حديثه إلى «الأخبار»: «اعتدى علينا جنود الاحتلال بالضرب المبرح، لأننا لم ننزح من شمال القطاع إلى الجنوب. سألوا كل من اعتقلوه: لماذا لم تنزح إلى رفح ومواصي خانيونس؟ ثم ركلوه بالأقدام وأعقاب البنادق».
ويرى أبو محمد، وهو حاج تجاوز الـ60 من العمر، اعتقله جيش الاحتلال من مشروع بيت لاهيا، ثمّ أطلقوا سراحه، بدوره، أن «الجيش حاقد على من تبقى في شمال وادي غزة. من بقي تمرد على توجيهاتهم، وكسر هيبة طائراتهم، واليوم يعاقبوننا بسياسة التجويع والحصار... لكن فشروا نترك بيوتنا، أو ما تبقى منها، رح ناكل من عشب الأرض ونشرب مية المطر، وما بنرحل»