موقع "أمان الأطفال" ـ فاطمة سلامة
يحدّثني أحد المُحامين اللبنانيين، وهو من المتخصّصين بمتابعة جرائم الإنترنت، أنّ قصص الابتزاز تكاثرت كالفطر في السنوات الأخيرة. يروي إحدى القصص التي كان مكلفًا بمتابعتها، والتي ثبُت فيها تدني وعي الأهل وضعف رقابتهم على أبنائهم، خاصة وأنّ القصة تعود إلى فتاة قاصر.
تقول خفايا تلك القصّة إنّ فتاة لبنانية تعرّفت إلى شاب، في أثناء ممارستها للعبة "pubg"، اللعبة التي طرقت أبواب غالبية المجتمع العربي. التعارف بين الاثنين دفعهما إلى تحميل تطبيق يسمح لكلّ منهما بالدخول إلى ملفات هاتف الآخر. أرسلت الفتاة صورًا شخصية لها للشاب المذكور، وبعد مدة استفاقت من صدمتها لتسأل نفسها الى أين هي ذاهبة؟. قرّرت إنهاء العلاقة، عندها بدأ الشاب بابتزازها مهدّدًا بنشر صورها وإرسالها إلى هواتف معارفها التي استحصل على أرقامها من هاتفها. وبالفعل، نفّذ تهديده؛ مشهّرًا بسمعة الشابة وشرفها، وبعد متابعة القضية مع الجهات الأمنية تبيّن أن المبتز شاب يقيم في تركيا.
القصة المذكورة هي واحدة من قصص متواترة صارت تحدث في بيوت عائلات كثيرة، بعضها يبقى طيّ الكتمان جراء "فوبيا" الخوف على السُمعة، وبعضها استحال دعوى أمام النيابة العامة ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.
في الواقع؛ هناك سؤال مركزي يبحث عن دور الأهل في مواجهة هذه الجريمة التي تُهدّد بتداعياتها أسرًا بأكملها، وتاليًا مجتمعًا بأكمله، وهو ما بات يُعرف بظاهرة "الابتزاز الإلكتروني".
كمين لقوى الأمن الداخلي في لبنان وقصص جديدة:
لمن لا يعلم، الابتزاز الإلكتروني هو صورة من صور الجريمة المعلوماتية التي بانت ملامحها واضحة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ودخول التقنية مناحي الحياة كافّة؛ حيث باتت الأجهزة الإلكترونيّة سبيلًا مثاليًا لارتكاب الجرائم بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية.
أما الأسباب المؤدية لحدوث الابتزاز فكثيرة، وبحسب ما تقوله الجهات الأمنية والمحامون الذين يتابعون مثل هذه القضايا، إضافة إلى وجود دراسة تتدوالها مراكز الأبحاث، أنّ 88% من أسباب الابتزاز تعود إلى الضحية نفسها التي تقدّم الفرص على طبق من ذهب للمبتزّ.
هذا؛ وفيما تتوالى الشكاوى في لبنان على خدمة "بلّغ" التي وفّرتها قوى الأمن الداخلي، أو على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمديرية أو حتى عبر الخط الساخن، تمكّنت قوى الأمن الداخلي قبل مدة قصيرة، من القبض على عصابة "تبتز" النساء ماديًا وتهدّدهنّ بِتشويه سمعتهن وذلك بعد ورود شكاوى من مواطنات. قامت القوى الأمنية باستدراج العصابة؛ فأرسلت مبالغ ماليّة لهم، عبر مكاتب تحويل الأموال؛ حيث وصلت قيمة أحد المبالغ المرسلة إلى خمسين ألف دولار أميركي، وذلك نزولاً عند تهديدات المدّعى عليهم بنشر صورهنّ أو محادثات هاتفيّة لهنّ، والتّشهير بهنّ عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، وخلال استلام المبتزين المال كانت القوى الأمنية بالمرصاد، فاعتقلت جميع المتورطين.
في هذا الصدّد؛ التقى موقع "أمان الأطفال" مع أحد المصادر الرئيسة في قوى الأمن الداخلي، والذي عمل لإنهاء القضية الأخيرة، حدثّنا عن كيفية متابعة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية للشكاوى. المكتب يتلقّى أي شكوى تصله من المتضررين، فيستمع الى إفادة الشخص المدعّي. ويتولّى رتباء التحقيق شخصيًا متابعة الشكاوى بعد إجراء التحقيقات اللازمة وإرسال الكتب لشركات الإنترنت أو الاتصالات وغيرها، وجمع الأدلة الرقمية والعينية توصلًا لمعرفة الفاعل. وبعد مراجعة القضاء المختص؛ يجري التقيّد بإشارته إن كان بالمتابعة أو توقيف الوسيلة الإلكترونيّة أو عدم اتخاذ أي إجراء.
الأرقام مخيفة في لبنان
في الوقت الذي يسير فيه عدّاد ضحايا الابتزاز الإلكتروني سنويًا نحو الارتفاع. ففي بحث استقصائي تتبّع للعديد من المواقع الإلكترونية التابعة لمراكز ودراسات لمنظّمات ومراكز أبحاث عربية وعالمية**؛ تفيد تقاريرها وأبحاثها عن أنّ عدد الضحايا في العالم يبلغ 556 مليونًا سنويًا، وأكثر من مليون ضحية يوميًا. وتلفت التقارير إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي هي الأكثر في حالات الابتزاز الإلكتروني، حيث يُخترق أكثر من 600 ألف حساب على "فيسبوك" يوميًا. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ 7 من بين كل عشرة مراهقين تعرضوا لحوادث تنمرّ أو ابتزاز في مرحلة ما من حياتهم. ويُقدِم واحد من كل ثلاثة أشخاص، من ضحايا التنمر الإلكتروني، على إيذاء أنفسهم، بينما يُقِدم واحد من كل عشرة من هؤلاء على الانتحار بالفعل. في بريطانيا على سبيل المثال، وفي العام 2007، كانت تشهد وقوع جريمة إلكترونيّة كل عشر ثوانٍ، أي ما يقارب 8 آلاف جريمة في اليوم الواحد؛ منها جرائم ابتزاز إلكترونيّة.
وبالنظر الى الفئات العمرية، يتبيّن أن الأطفال هم أكثر عرضة لهذه الجريمة. وفي هذا السياق، حذّر مركز استغلال الأطفال والحماية البريطاني عبر الإنترنت من أن المئات من الأطفال البريطانيين يتعرّضون للابتزاز الإلكتروني؛ حيث يقوم المعتدون بتسليط الضوء على أفعال للضحايا أو صور لهم غير أخلاقيّة، ثم يهدّدون بإرسال الصور إلى العائلة والأصدقاء.. وعلى مدى عامين، جرى ابتزاز 424 طفلاً بهذه الطريقة. وفي هذا السياق، تقول الإحصائيات العالمية، والتي تتدوالها مراكز الأبحاث والمواقع الإلكترونية، أنّ الأطفال هم من أكثر ضحايا الجريمة الإلكترونيّة على الإنترنت، إذ إنّ 80 % من الأطفال الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يستقبلون رسائل بريد إلكترونيّة دعائيّة كل يوم، وبخاصة خلال العطلة، حين يقضي الأطفال جلّ وقتهم في تصفح الإنترنت، وبعض تلك الرسائل تتضمن محتوى لا ينبغي لهم الاطّلاع عليه في أي حال من الأحوال.
أما في لبنان، فتفيد الأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي إلى ازدياد الشكاوى الواردة، عبر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية سنويًا. وبحسب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في العام 2017، بلغ عدد الشكاوى 238 شكوى مع 35 موقوفًا. وفي العام 2018، سجلت 509 شكاوى مع 141 موقوفًا، وفي العام 2019، ارتفع العدد إلى 645 شكوى مع 118 موقوفًا، وفي العام 2020، بلغت الشكاوى 769 مع توقيف 84 مبتزًا. هذا فيما شهدت الأرقام، في السنوات الثلاث اللاحقة، زيادة مرتفعة. وهنا تجدر الإشارة الى أنّ الشكاوى الواردة إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - شعبة العلاقات العامة كانت عددها أكثر من الشكاوى الواردة إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وذلك نظرًا إلى تلقّي الشكاوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وعبر خدمة "بلّغ" على موقعها الإلكتروني، ما يعني أنّ الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من الواردة أعلاه.
أنواع الابتزاز الإلكتروني
تتعدّد أنواع هذا الابتزاز، فمنها الابتزاز المادي والجنسي والمنفعي والعاطفي. فقد سجّلت شكاوى الابتزاز الجنسي وحدها، والواردة إلى شعبة العلاقات العامة في لبنان، 815 شكوى، في العام 2020، ما يعني أن عدد الشكاوى تخطّى الرقم الذي سجّلته إحصائيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، فيما أظهرت الإحصائيات ارتفاعًا كبيرًا وخطيرًا في شكاوى هذا النوع من الابتزاز، خلال العامين 2019-2020، وذلك بزيادة نسبتها 307.50 %.
في هذا الإطار؛ تُفيد مصادر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية اللّبناني لموقع "أمان الأطفال" أنّ عدد التبليغات المقدمة من نساء وفتيات قد وصلت، في العام 2021، إلى 4007 وكانت النسبة 65 بالمئة، وفي العام 2022 بلغت 2541 بنسبة 70 بالمئة، وفي العام 2023 حتى تاريخ 14 كانون الأول بلغت 2584، أي بنسبة 67 بالمئة. أما بخصوص الفئة العمرية؛ فقد تراوحت بين 15 و50 سنة.
كما أفادت المديرية موقعنا أن الوسيلة الإلكترونيّة الأكثر استخدامًا في الابتزاز كانت الهاتف أو الحاسوب. وفي ما يتعلق بنوع العنف الرقمي، صنّفت المديرية الشكاوى على أنّها :"جرائم ابتزاز جنسي ومادي وتحرش وتشهير ونشر صور وفيديوهات خاصة وقرصنة؛ وغيرها".
في ما يلي جدول بالجرائم التي أعدّها مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي تدخل تحت مسمّى الابتزاز الإلكتروني:
مسلماني: إجراءات استباقية تحمي أولادنا
يؤكد الدكتور جمال مسلماني، وهو رئيس لجنة الخبراء الفنيين والرقميين في شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان، أنّ ثمّة إجراءت استباقية عديدة، يمكن للأهل اعتمادها دومًا:
1- مراقبة الجهاز الإلكتروني للأطفال عبر وصله بأجهزة الأهل الإلكترونيّة، ليكونوا على بيّنة من كل ما يدور على أجهزة أبنائهم.
2- ضرورة إجراء الأهل جلسات مصارحة مع أولادهم لتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة. وهذا يولّد الثقة؛ لأنّ غيابها يولّد شعور الخوف عند الأبناء، ما يُصعّب تاليًا عليهم التحدث بصراحة عما يتعرّضون له.
3- ضرورة استيعاب الأطفال بعد حادثة الابتزاز بحال حصولها؛ لأنّ ثمّة حال نفسية صعبة قد تنشأ جراء تداعيّات ما تعرضوا له. وهذا ما أثبتته الدراسات المختلفة؛ بأنّ هناك حوادث انتحار عديدة وفقًا للإحصائيات العالمية في صفوف الأطفال نتيجة الخوف من إخبار الأهل، فيتوجهون إمّا إلى تعاطي العقاقير للانتحار أو لإنهاء حياتهم مباشرة.
4- بلّغ فورًا ..هذا لو حصل الابتزاز؛ هذه نصيحة رئيسة وجدًا مهمّة، ضرورة إبلاغ الأجهزة الأمنية فورًا والتواصل معهم عبر خدمة "بلّغ" أو عبر الخط الساخن، مع ضروة الالتفات إلى عدم حذف الصور والتهديدات لأهميتها، فهي دليل ضد المبتز، وفي الختام، تبقى الوقاية خير من قنطار علاج.
أمّا على الصعيد المجتمعي، يأخذ مسلماني على الدولة تقصيرها. إذ نشهد غياب خطة إعلامية توجيهية وطنية للتعامل مع الابتزاز الإلكتروني، سواء عبر وسائل الإعلام أم المدارس التي لا يوجد فيها حملات توعية تُقام فيها الندوات وتُوزع فيها "البروشيرات" التي تزرع التوعية عند الأطفال والأهل معًا. كما يُشير مسلماني الى غياب القوانين، وغياب يوم وطني أو أسبوع سنوي توعوي تُقام فيه الورش والندوات لإشراك الأهل بالحملات التوعوية؛ لأنّ الأسرة هي الأساس في كل إجرءات الحماية.