الأخبار ـ فؤاد بزي
باستثناء التعليم العام وبركة الـ300 دولار الإضافية على الراتب شهرياً، توسّع إضراب موظفي القطاع العام ليشمل كل إدارات الدولة حتى تلك التي بقيت بمنأى عن الإقفال في السنوات الماضية، مثل مديرية الصرفيات في وزارة المال، أقفلت هي أيضاً. لكن يبدو أن المفاوضات تسير نحو أفق مسدود. فالرئيس نجيب ميقاتي متمسّك بموقفه تجاه منح الموظفين تصحيحات هزيلة على الراتب ويزعم أنها مقيّدة بسقف الموازنة وبسقف الإنفاق الشهري الذي حدّده حاكم مصرف لبنان بالإنابة.
وبهذا المعنى، فإن المبلغ المخصّص للزيادة سيبقى على حاله، وأي تفاوض هو ضمن سقف إعادة توزيعه بين الفئات العليا والدنيا.يقول مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس لـ«الأخبار»، إن مشروع المرسوم المعروض على طاولة مجلس الوزراء منذ ثلاثة أشهر بخصوص رواتب القطاع العام سيُعرض بعد تعديلات طفيفة على أول جلسة لمجلس الوزراء لإقراره. ويرفض نحاس أي حلول أخرى، مشيراً إلى أن «لا حلّ لدينا سوى هذا الأمر لأن الصندوق الذي سيموّل الزيادات (الخزينة) هو واحد وسنعطي منه الكل». بمعنى أوضح، يقول نحاس إن ما ستقوم به الحكومة هو مجرّد إعادة توزيع للأموال «فمن أجل تعزيز الفئات الدنيا يجب أن نأخذ من الفئات العليا» وفق نحاس. ويبرّر نحاس هذا الأمر بالإشارة إلى أن الموازنة حدّدت سقفاً للإنفاق، فيما حدّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري السقف الشهري لضخّ السيولة النقدية بالليرة.
إصرار الحكومة على الامتناع عن تقديم أي علاج حقيقي والتمييز بين فئات الموظفين بشكل انتقائي، فاقم الإضراب وأنتج تأخيراً حكمياً في تسديد الرواتب الهزيلة لنحو 92 ألف موظف وأجير ومتعاقد في الخدمة، ونحو 130 ألف عسكري، و120 ألف متقاعد. وبحسب مصادر في وزارة المال فإن «المهلة الزمنية المطلوبة لتحويل الرواتب فات أوانها»، مشيرة إلى أن الأمر لم يقتصر على ذلك، بل إن إقفال النظام المالي في الوزارة أدّى إلى شلّ قدرة الدولة على الإنفاق والجباية على كلّ الأراضي اللبنانية. وبالتوازي، توقّفت حركة استيراد وتصدير المواد الغذائية في بلد يستورد 80% من حاجاته الغذائية، إذ أضرب موظفو وزارة الزراعة في المرفأ للمرّة الأولى. وفي وزارة الصحة توقّف الموظفون عن العمل، ما عطّل، أمس، إمكانية إدخال وتسجيل الأدوية وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية تكدّست البضائع المستوردة على أرض المطار والمرفأ.
أما مشروع مرسوم الزيادات الموجود على طاولة مجلس الوزراء منذ 4 أشهر، فقد «أُشبع درساً» بحسب ما يُنقل عن نحاس، لكن الإضراب لم يبدأ إلا غداة محاولات ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل سعيهما لتأمين سيرورة قطاعات على حساب أخرى. «موظفو المالية طلبوا تأمين حوافز مالية خاصة بهم أسوةً بالقضاة والأساتذة»، بحسب ممثل وزارة المال في تجمع موظفي الإدارة العامة حسن وهبي الذي طالب الحكومة بـ«مصارحة اللبنانيين في حال أرادت المفاضلة بين الموظفين، فالسلف الخاصة بصرف الحوافز الإضافية تمرّ شهرياً في دوائر المالية، ويخلّصها موظفون لا يتقاضون سوى الراتب المضاعف 7 مرات لا تزيد قيمته على 200 دولار». وافق ميقاتي على طلب صرف الحوافز الإضافية لموظفي المالية، ورئاستي الحكومة والجمهورية، من سلفة خزينة قديمة لم تُصرف بالكامل. وبالفعل دفعت المالية للموظفين المشمولين حوافز بقيمة 300 دولار شهرياً عن شهر واحد فقط. ومن بعدها علت صرخة بقية موظفي القطاع العام، وبدأ الإضراب يعمّ الوزارات، فطلب ميقاتي من الخليل التوقف عن صرف الحوافز، فأُقفلت المالية بشكل تام.
في المقابل، لا يرى وهبي في الحوافز سوى «مبالغ إضافية تصرف بشكل مؤقّت إلى حين إقرار مرسوم الزيادة على الرواتب». أما الحل النهائي برأيه، فهو يكمن في «تعديل سلسلة الرتب والرواتب، وهذا الحل يرضي كلّ القطاع العام». ينقل وهبي عن ميقاتي «موافقته على طرح تجمّع الموظفين بتقسيط تصحيح السلسلة ابتداءً من 50% من قيمتها عام 2019، إنّما اشترط أن يكون التصحيح حصراً لموظفي الإدارة العامة، فعددهم قليل، واستثناء بقية الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين». ميقاتي قال أمام وفد التجمع إنّ «إعادة 20% من قيمة الراتب إلى ما كانت عليه عام 2019 تؤدي إلى عجز بقيمة 2000 مليار ليرة شهرياً».
بالفعل، لا يزيد عدد الموظفين في ملاك الإدارة العامة على 8175 موظفاً، بحسب مسح مجلس الخدمة المدنية لعام 2022. ولكن طرح ميقاتي لا يُعدّ موافقةً، بل رفضاً بصيغة مواربة، وعودة للعب على وتر تقسيم الموظفين واستمالة جزء على حساب آخر. وفقاً لمجلس الخدمة المدنية، يبلغ عدد الموظفين في الملاك العام للوظيفة العامة، من غير العسكريين والقضاة، 26423 موظفاً، 18248 في السلك التعليمي، والبقية في الإدارة العامة، والطروحات التقسيمية ما هي إلا استجرار لإضراب قطاعات في وجه أخرى.