مع دخول الحرب شهرها السادس، تستمر الدولة في التعامل معها وكأنها تجري في مكان آخر، فيما لا يجد المانحون سبباً لصرف دولار واحد، ولا تجد المنظّمات الدولية العاملة في لبنان ما يستدعي تعديل طرق العمل لتصبح أكثر مرونة وفعالية. يقف الجميع على حافة التدخّل، كلّ لسببه، باستثناء ما تقدّمه جمعيات وجهات مموّلة محلياً، فيما القصص الآتية من مراكز الإيواء لا تبشّر بخير.
حضور الدولة شبه المعدوم في إغاثة النازخين، تعبّر عنه تقديمات وزارة الشؤون الاجتماعية إلى غرفة إدارة الكوارث في صور، والتي اقتصرت منذ بداية النزوح على 6 آلاف ليتر مازوت و7 أطنان طحين و70 مروحة و250 حصة نظافة للنساء والأطفال، و1000بطانية، أكّد المعنيون «أنها غير صالحة للاستعمال». وعدا مجلس الجنوب الذي وزّع نحو 5 آلاف حصّة غذائية إضافة إلى بطانيات وفرش وحليب وحفاضات، لا توجد حالياً جهة رسمية تقدّم المعونة. فيما النشاط الأبرز لجمعية «وتعاونوا» ووحدة العمل الاجتماعي في حزب الله التي تدفع 333 دولاراً كبدل إيجار شهري، وبدل اشتراك مولّد كهرباء 5 أمبير، وحصة غذائية شهرية، إضافة إلى تقديمها مبالغ مالية في الأشهر الثلاثة الماضية، إلى جانب خدمات صحية تقدّمها جمعية الهيئة الصحية الإسلامية.أما لجهة المنظّمات، فقد قدّمت نحو 25 منظمة دولية ومحلية نوعاً من الإغاثة في بداية موجة النزوح، بالتنسيق مع وحدة إدارة الكوارث في المنطقة.
ورغم أن هذه التقديمات كانت متواضعة أساساً، إلا أن عدداً كبيراً منها توقّف عن تقديم المعونة، «وينحصر الأمر اليوم في ثلاث أو أربع جمعيات فقط»، من بينها save the children وworld vision. فيما غالبية المنظّمات الدولية والجمعيات المحلية الشريكة لها «تحضُرُ مرة في الشهر»، ويتركّز تدخّلها على الشق التوعوي والدعم النفسي الذي، على أهميته، «لا يُشبع البطون»، تقول سيدة نازحة. والأمر هنا لا يتعلق بـ«اختلاف الثقافات»، وإنّما بخلاف منطقي حول الأولويات. فما الذي يحول، مثلاً، دون تأمين 400 دولار لصيانة مولّدات كهرباء تغذي خمسة مراكز إيواء في قضاء صور تستضيف 1000 نازح؟ إذ أدارت المنظمات الأذن الطرشاء لكل المناشدات لجمع هذا المبلغ الزهيد، أو لتخصيص مبلغ شهري متواضع لـ30 متطوعاً تكفّلوا منذ خمسة أشهر بالاهتمام بإدارة المراكز وتسلّم المواد الغذائية والتجهيزات والمساعدة في أعمال التنظيف ونقل النازحين المرضى إلى مراكز الرعاية الصحية أو مستشفيات القضاء. كما غضّت المنظمات النظر عن حاجة المراكز إلى صيانة بعد خمسة أشهر من النزوح، خصوصاً بعدما تسبّب استخدام المراحيض المشتركة في أمراض نسائية لعدد من النازحات، وسُجّل قبل نحو شهر انتشار القمل بين بعض أطفال النازحين.
رسمياً، يستفيد النازحون في مراكز الإيواء وخارجها من مراكز الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة في قضاء صور، من دون أن يشمل ذلك توفير بعض الأدوية، وبخاصة المزمنة، ولا تكاليف دخول المستشفيات. وبخلاف توجيهات وزارة الصحة، ترفض المستشفيات الخاصة استقبال المرضى من النازحين على نفقة الوزارة. فيما تنقل مصادر متابعة لاجتماعات التنسيق بين لجنة الطوارئ والمنظمات الدولية شكوى وزارة الصحة من «ضعف المساعدات الدولية، إذ لم يستجب أي طرف للائحة الاحتياجات التي وضعتها الوزارة». وفي وقت يقدّم المستشفى «اللبناني الإيطالي» ومستشفى «حيرام» حسماً متواضعاً جداً على الفاتورة الاستشفائية، وحدها مؤسسة «عامل»، بالتعاون مع منظمة دولية، تتكفّل بتغطية كلفة استشفاء النساء الحوامل في مستشفى قصب في منطقة صيدا أو في مستشفى النبطية الحكومي.
لا تعاني محافظ النبطية هويدا الترك من هذا النوع من التحديات، بسبب صغر حجم مراكز الإيواء في المحافظة. لكنها تلفت إلى أنّ «الفترة الفاصلة بين تسلّم المنظمات الدولية للداتا وتاريخ الاستجابة قد تمتد لثلاثة أشهر، بسبب طريقة عمل هذه الجهات».
عجز الدولة المالي أدّى إلى حصر تدخلها على مستوى التنظيم والتشبيك. فيما المفارقة أنّ المنظّمات الدولية لم تظهر في ظل الحرب الدائرة السخاء الذي أظهرته بعد انفجار مرفأ بيروت، بذريعة أنّها «لا تعتبر لبنان في حالة حرب»! فيما تؤكد مصادر معنية أن «التنسيق بين المنظمات ليس في أفضل حال»، وأنّها «إن أرادت تسيير الأمور يمكنها أن تعمل بمرونة كبرى والتخلي عن ذرائع، كطلبها تجميع الداتا بنفسها، رافضة الاعتراف ببيانات البلديات»، وكذلك «رفضها مساعدة عائلات تستفيد من برامج وزارة الشؤون الاجتماعية»، ما يجعل أوضاع النازحين خارج مراكز الإيواء أكثر سوءاً، إذ إنّ آخر إحصاء صدر عن إدارة الإحصاء عام 2018 أظهر أنّ نسبة الفقر في قضاء بنت جبيل تبلغ 65% وفي صور 63% وفي النبطية 59%، وبالتالي فإن النازح والمضيف مستحقان للمساعدة في الأوضاع الطبيعية.