الأخبار ـ آمال خليل
بعد شهر ونصف من تحوّلها لمثار اهتمام عام، انتهت قضية فقدان ووفاة النازح موسى بزي بحسم القوى الأمنية بأنّ موته «نتيجة سقوطه في حفرة صحية وتوقف قلبه». وفي حديث لـ«الأخبار»، لفت رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي إلى أنه واكب تحقيقات القوى الأمنية ومعاينة الطبيب الشرعي لجثته التي وجدت يوم الأحد الماضي في حفرة على طريق الأوزاعي.
«الكشف على الجثة أظهر تعرّضه لسقوط في حفرة عميقة أعقبها إصابته بأزمة قلبية منذ اليوم الأول لفقدانه في 26 كانون الثاني الماضي. وتزامن سقوطه مع عاصفة دامت لأيام عدة، ساهمت بألا يتنبه أحد له. والحفرة مسروقة الغطاء على غرار الحفر كافة على طريق الأوزاعي – خلدة». ونفى بزي أن تكون وفاته ناجمة عن جريمة. وبالبحث في جيوب ثيابه، وُجدت مقتنياته الخاصة وأمواله كما هي، من دون أن يتعرّض للسرقة أو للأذى قبل وفاته. جميع المؤشرات تدلّ على أنّ بزي غادر من حي ماضي إلى حيث نزح قبل أسابيع للإقامة مع شقيقته هلا. وفي ذلك الحين، فُقد أثره والأرجح أنه حاول العودة سيراً على الأقدام إلى مسقط رأسه، إلا أن الإعاقة الذهنية التي يعاني منها وصعوبة النطق لم تسعفانه.
حظي بزي الذي لُقّب بـ«عزيز بنت جبيل»، بتشييع حاشد. ابن الخامسة والستين شكّل ركناً من السوق والساحة القديمة منذ نحو خمسين عاماً ونموذجاً لكثيرين ممن لم يحتملوا النزوح عن بلداتهم بعد 18 عاماً من الاستقرار غير المسبوق عند الحدود الجنوبية منذ عقود طويلة. موسى بزي نفسه لم ينزح في عدوان تموز. صمد في منزل أرضي مع عمته مريم وعمه عبدالله وعائلته طوال 33 يوماً. فاطمة بزي جاورت ابن عمها موسى منذ ولادتهما قبل أكثر من ستين عاماً هنا في حي العين. تجزم بأنّ موسى لم يغادر منطقة بنت جبيل إلا لزيارة الطبيب في بيروت لمرات قليلة. لكنّ شقيقته هلا اصطحبته للإقامة لديها في الضاحية بعد الغارة التي استهدفت منزلاً وسط بنت جبيل نهاية العام الماضي. وفي 26 كانون الثاني الماضي، دخل ليحضر حفل تأبين لابنة مدينته الشهيدة سمر السيد وفقد أثره بعدها. «مات موسى وهو يحاول الوصول إلى مسقط رأسه. فيما لم يصب أقرباؤه الصامدون بأذى»، بحسب قريبه غسان بزي. ولفت الأخير إلى أنّ عمه عبد الله خطّ اسم موسى وأسماء من صمد معه في 2006 على جذع شجرة زيتون معمّرة في حديقة المنزل، تعلم بوجودهم في حال أصابهم مكروه. وبعد انتهاء عدوان تموز، هام موسى بين أحيائها القديمة تائهاً لا يعرف السبيل، حتى تعثر وتكسرت أضلاعه.
لا تنفك رسمية دباجة، زوجة عم موسى، على النحيب عليه. «لم أوافق على النزوح في هذه الحرب إلا بعد أن نزح موسى. فهو الثابت الذي لا يتزحزح وكنا نستأنس بوجوده». فرغ المنزل بعد غارة آل بزي وتشتّت أفراده بين بلدات صور وبنت جبيل وبيروت. تتأسف فاطمة لأنها وافقت على النزوح: «يا ليتنا بقينا في أرضنا، لكان سلم موسى من الموت».