الأخبار ـ آمال خليل
تنادى المئات من أهالي بليدا اليوم للمشاركة في تشييع الشهيدين علي مرجي وفضل كعور، ولتفقّد أثر العدوان الإسرائيلي المتصاعد على بلدتهم. صار عرفاً لدى أهالي البلدات الحدودية أن يستفيدوا من مناسبات تشييع الشهداء لينتشروا آمنين بين الأحياء، رغم تحليق المسيرات المعادية فوق رؤوسهم على علو منخفض.
وفي اعتداء مضاعف على بليدا، عمد جنود العدو وبالتزامن مع توافد الأهالي، إلى تمشيط أطرافها الشرقية من موقع «بياض بليدا» المقابل لبلدتهم. هي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها "إسرائيل" ترهيب أهالي بليدا من دون جدوى، إذ كان شهد تشييعان قصفاً مدفعياً تزامن مع تواجد المشيّعين في الجبانة المشرفة تماماً على الموقع.
بين تشييع وآخر، يزداد عدد المنازل المدمرة. كلما اقتربنا من ساحة بليدا، تكثّف مشهد الدمار. يقول أحد الأهالي: «بليدا صارت تشبه غزة». عناصر الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية عملوا بآلياتهم على رفع الركام من وسط الطريق لاستقبال الأهالي. في الأسبوعين الأخيرين، شهدت بليدا غارات عنيفة استهدفت منازل على الطريق الرئيسي في وسطها وفي الأحياء الشرقية المشرفة على «بياض بليدا». على درب الجلجلة، هام الأهالي اليوم بين البيوت المدمرة. ركام بعثر ملامح الطريق وحدودها وضيقها. طابور طويل من المنازل والمحال والآليات المتضررة يمتد كيلومترات عدة. يحاول أحدهم إعادة رسم العمران في ذهنه.. «هنا كانت منزل فلان وهناك محمصة بليدا وفي تلك الزاوية مرآب وبجواره حقل زراعي...». يقف أمام حفرة عميقة أحدثها صاروخ ثقيل بجانب الطريق، يتحسر قائلاً: «راحت الحارة».
على بعد أمتار وقفت أم علي مرجي أمام كومة ركام كبيرة. قبل أيام قليلة، أحالت غارة جوية المنزل ركاماً. فوق الكومة، وقفت ابنتها تلتقط الصور قبل أن تدعو والدتها لالتقاط «السيلفي». المنزل كان مبنى من ثلاث طبقات تتقاسمه مع زوجها وولديها وأسرتيهما. في عيد تحرير بليدا عام 2000، بدأت مع زوجها حسين مرجي بتشييد المنزل من أجل العودة والاستقرار في مسقط رأسيهما. في عدوان تموز 2006، لم يصب بأذى. يقطع مرجي، الزوج، على زوجته حسرتها ويقول: «يا ريت راحت البيوت كلها وبقي الشهيد». في إشارة منه إلى ابن عمه وصديق عمره الشهيد علي مرجي الذي حضر اليوم لتشييعه.
على المقلب الشمالي من الساحة، يمتد طابور دمار آخر. يفصل بين الطابورين المفرق المؤدي إلى الجبانة. معرض الدمار الشمالي أقدم من المعرض الجنوبي. يتولى بعض الشباب المرابضين على البلدة على ترشيد الزوار على الترتيب الزمني للغارات وأين قضى الشهداء. الغارة استهدفت منزل علية حجازي قبل نحو عشرين يوماً. لا تتوانى عند كل فرصة عن تفقده رغم أنه لم يعد قابلاً للسكن ومحتوياته غير صالحة للإستخدام. تنظر بحسرة إليه، قائلة: «بيتي كان كبيراً، لماذا صار صغيراً هكذا؟». سريعاً، تحبس دموعها وتستذكر المقاومين، داعيةً لسلامتهم وحفظهم.
المقاطع المصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي كشفت حجم الدمار الكبير في البلدة. في حديث لـ«الأخبار»، لفت رئيس بلدية بليدا حسان حجازي، إلى أن الدمار الذي تشهده البلدة لم يشهدوه من قبل برغم ما عانته من احتلال إسرائيلي لـ 22 عاماً، ومن عدوان خلال تموز 2006 واحتلال مستمر لبعض أراضيها. في 2006، تعرضت بليدا لقصف مكثف بالقنابل العنقودية استهدف حقولها، من دون إحداث أضرار في المنازل. أما في العدوان الحالي، فقد بلغ عدد المنازل المتضررة حتى آخر إحصاء أُجري أمس 70 منزلاً مدمراً كلياً، و70 منزلاً مدمراً جزئياً، و325 منزلاً متضرراً، إضافةً إلى 50 محل متضرر كلياً وجزئياً ومزرعة دجاج واحدة مدمرة كلياً ومعملي حجارة دُمّرا كلياً، في مقابل تضرر الحقول بالقصف الفوسفوري.