الأخبار ـ يوسف فارس
استيقظ الأهالي في صباح اليوم الأول من شهر رمضان، في جنوب القطاع، أمس، على وقع ارتكاب جيش العدو ثلاث مجازر عائلية راح ضحيتها العشرات من المدنيين. أما في الشمال المحاصر، حيث يتجمع الجوع والقصف الجوي المستمر، فقد استشهد نحو 30 مواطناً في قصف طاول أربعة منازل.
كذلك، أعلن مستشفى «كمال عدوان» وفاة ثلاثة أطفال نتيجة تراكم أعراض الجوع والجفاف وسوء التغذية، ليتجاوز بهذا عدد الأطفال الشهداء الذين قضوا إثر المجاعة المستمرة الـ 26 شهيداً. وفي مساء أول من أمس، كسر الأهالي روتين الحياة، في الليل الحالك، حين اندفع المئات من الأطفال وذويهم إلى الشوارع، حاملين فوانيس رمضان والألعاب النارية، مرحّبين بالشهر الكريم. وفي مراكز الإيواء، عمل متطوعون على تزيين الخيام بالحبال والفوانيس، وعقدوا جلسات سمر ومديح نبوي استمرت حتى منتصف الليل.
على أن ما تقدّم كان مظهر الاحتفال الوحيد بالشهر الفضيل، ومن خلفه تتوارى أسئلة صعبة، عمّا يمكن التسحّر عليه من غذاء في اليوم التالي، وما يمكن تجهيزه للفطور عند أذان مغرب اليوم الأول. لا شيء متوفر في شمال القطاع، حيث افترس الجوع أجساد الجميع. من يمتلك المال بات أسوة بالفقير المعدم. الكل جائع هنا. يقول معاذ لبد، وهو تاجر مواد تموينية كان يدير محالَّ تتوسط مخيّم جباليا، في حديثه إلى «الأخبار»: «المحلّ وكل محالِّ شمال غزة فارغة، لا شيء متوفر، كل شمال غزة ليس فيه علبة فول واحدة أو كيلو سكر، الطحين الأبيض عملة نادرة، حتى الملح وصل سعر الكيلو الواحد إلى 15 دولاراً».
أما أم عمر، وهي سيدة تعيل أسرة مكونة من سبعة أبناء، فتقول لـ«الأخبار»: «على السحور، غمسنا خبز بتوابل فلافل وملح، وشربنا مية، ونوينا الصيام ونمنا، قضيت خمس ساعات بحثاً عن أيّ شيء يمكن شراؤه بسعر معقول ما لقيت»، لافتة إلى أن «كيلو الجبنة ارتفع ثمنه إلى ما يعادل 70$، وكيلو الأرزّ وصل إلى 40$. كميات قليلة جداً وشحيحة من الجبن موجودة، فقط للأثرياء. والله ما في شي يصلح للأكل».
في مستشفيات شمال غزة، يمكنك أن تشاهد أعداد المصابين الذين يُنتشلون يومياً من مفترقي الكويت والنابلسي، وهم ينتظرون لساعات طويلة الحصول على المساعدات. عشرات الآلاف يتجمعون، هناك، فيما تطلق الدبابات الإسرائيلية يومياً الرصاص على رؤوس المصابين، ويصل آخرون وقد داستهم عجلات شاحنات الطحين التي لا تتوقف حينما يقطع طريقها الأهالي، لأن طائرات «الكواد كابتر» ستطلق الرصاص على رؤوس السائقين إن هي توقفت في مكان مخالف للمتفق عليه.
في السماء، تواصل طائرات الاستعراض العربية والأميركية إلقاء شحنات من المساعدات، لا يصل أيٌّ منها إلى أيدي من يحتاج إليها. ووسط ذلك كله، يمارس جيش الاحتلال أعلى مستويات الابتزاز، إذ يتصل على هواتف الأهالي، ويطلب منهم النزوح من الشمال إلى الجنوب، زاعماً أن كميات وفيرة من الطعام تتوفر هناك.
لا أحد من سكان الشمال يمتلك خطة لليوم التالي، أو حتى لليوم الذي يعيشه، لكن أمّ رامي، تعبّر في حديثها معنا عمّا يؤمن به الآلاف من الجياع في شمال غزة: «والله يا إبني، بنعدي كل يوم بيومو، يرزقنا الله كما يرزق الطير».