الأخبار ـ شفيق طبارة
جاءت جوائز الأوسكار لعام 2024 في لحظة مضطربة بالنسبة إلى هوليوود، التي لم يكن لديها الكثير لتحتفل به في الأشهر الـ12 الأخيرة بسبب الإضراب. كذلك، تواجه جوائز الأوسكار، التي كانت تعاني من انخفاض في معدلات التصويت، تساؤلات حول مدى أهميتها. بدأ الاحتفال الذي نظمته «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» في «مسرح دولبي» في لوس أنجليس في كاليفورنيا، متأخراً خمس دقائق، بسبب احتشاد متظاهرين مؤيدين لفلسطين خارج مقرّ توزيع الجوائز.
عطّل الاحتجاج حركة المرور المتجهة نحو الاحتفال لمدة 20 دقيقة تقريباً، وشوهد بعض النجوم يتركون سياراتهم ويسيرون على الأقدام، في الوقت التي وصلت فيه الشرطة لتفريق الحشود وهم يحملون الأعلام الفلسطينية ويهتفون «وقف إطلاق النار الآن». كما ظهر عدد من النجوم على السجادة الحمراء وعلى المسرح وهم يضعون دبابيس علم فلسطين بينهم الممثلون في فيلم «تشريح سقوط» الممثل الفرنسي سوان أرلو، ومواطنه الممثل ميلو ماشادو غراني، الذي يبلغ ستة عشر عاماً، أو دبوس حملة «فنانون من أجل وقف إطلاق النار»، من بينهم ممثل فيلم «أشياء مسكينة» الأميركي مارك روفالو ومواطنه رامي يوسف.
جوائز هذا العام كانت مثل مقدم الاحتفال، بلا مفاجآت عكست روح هذا العام والأفلام التي لقيت صدى كبيراً لدى الجمهور وحققت نجاحاً على شباك التذاكر. هيمن فيلم «أوبنهايمر» (الأخبار 25/7/2023) للمخرج كريستوفر نولان حول أب القنبلة الذرية، على الاحتفال، منتزعاً سبع جوائز، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج. كما حصل الفيلم، الذي اكتسب صدى إضافياً في زمن الصراعات الدولية الحالية، على جائزة أفضل ممثل لكيليان مورفي في دور جيه روبرت أوبرهايمر، وروبرت داوني جونيور أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دور السياسي لويس ستراوس. وحُرم الممثل بول جياماني من جائزة أفضل ممثل، عن دوره في فيلم «الباقون» (The Holdovers) لألكسندر باين، الذي قدم فيه جياماني أهم أدواره السينمائية، وقد كان يستحقّ الجائزة عوضاً عن مورفي. وحرمت الأكاديمية أيضاً المخرج مارتن سكورسيزي مرة جديدة من الجوائز التي رشحته لها عن فيلمه «قتلة زهرة القمر» (الأخبار 21/11/2023).
نال المخرج الإنكليزي جوناثان غلايزر، جائزة أفضل فيلم أجنبي، بعدما توِّج الصيف الماضي بالجائزة الكبرى، ثاني جوائز «مهرجان كان» من حيث الأهمية، عن فيلمه «منطقة الاهتمام» (Zone of interest). الفيلم المقتبس عن رواية مارتن أميس بالعنوان نفسه، يدور في أوشفيتز، ويحكي قصة الضابط النازي رودولف هوس وزوجته هيدويغ وأبنائه الذين يعيشون حياتهم الطبيعية والاعتيادية في منزلهم بجوار معسكر أوشفيتز. يأخذ هوس الأطفال للسباحة وصيد الأسماك، بينما تقضي هيدويغ وقتاً في الاعتناء بالحديقة. يقوم الخدم بالأعمال المنزلية ويتم تسليم متعلّقات السجناء إلى الأسرة. خلف جدار الحديقة، تُسمع طلقات نارية وصراخ وأصوات قطارات وأفران. صعد غلايزر إلى المسرح وتسلّم جائزته وشجب الحرب الإسرائيلية على غزة، قائلاً: «جميع خياراتنا مصنوعة لتعكسنا وتواجهنا في الوقت الحاضر. لا أقول انظروا ما فعلوه آنذاك، بل انظروا إلى ما نفعله الآن. يُظهر فيلمنا إلى أين يؤدي التجريد من الإنسانية. لقد شكل هذا ماضينا وحاضرنا، نحن الآن نقف، مع منتج الفيلم، هنا كرجال يرفضون السماح بإساءة استخدام يهوديتنا والمحرقة من قبل احتلال تسبّب في الكثير من المعاناة لعدد من الأبرياء». علماً أنّه من المثير للاهتمام أن تمنح الأكاديمية الجائزة لفيلم يتحدث عن المحرقة في وقت يمارس فيه الاحتلال الإسرائيلي إبادة العصر مباشرةً على الهواء في حق الفلسطينيين.
نرفض السماح بإساءة استخدام يهوديتنا والمحرقة من قبل احتلال تسبّب في المعاناة للعديد من الأبرياء (جوناثان غلايزر)
بعد سبع سنوات على فوزها بفيلم «لا لا لاند»، حصلت الممثلة إيما ستون على ثاني جائزة أوسكار لأفضل ممثلة عن دورها في فيلم يورغوس لانثيموس «أشياء مسكينة» (الأخبار 4/9/2023). كما حصلت دافين جوي راندولف على جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها كمديرة كافيتيريا حزينة تصارع حزنها على وفاة ابنها في فيلم «الباقون». وحصل فيلم «تشريح سقوط» على جائزة أفضل فيلم أصلي، وفيلم «20 يوماً في ماريوبول» جائزة أفضل وثائقي، مع العلم بأن المخرجة التونسية كوثر بن هنية كانت تنافس على الجائزة نفسها عن فيلمها «بنات ألفة». قدم الاحتفال مقدم البرامج التلفزيوني والكوميدي جيمي كيميل، للمرة الرابعة، ونتمنى أن تكون الأخيرة بسبب رتابة طريقة تقديمه التي لا تلائم جوائز الأوسكار، ناهيك بنكاته المملة. لم يكن بث احتفال توزيع جوائز الأوسكار بمثابة أكبر ليلة في هوليوود. بدت السهرة صغيرة وعادية باستثناء ظهور الممثل جون سينا عارياً خلال تقديمه جائزة الأزياء! النكات غير المضحكة، والفائزون المتوقعون والأجزاء الطويلة والمونولوجات المكتوبة والخطب المملة، جعلت الليلة عادية جداً. وكان قرار تعيين خمسة فائزين سابقين لتقديم كل جوائز التمثيل، قراراً خاطئاً، بدا كأن كل ممثل فائز يشيد بالممثل المرشح بطريقة ليس فيها الكثير من المصداقية. بطريقة ما، كان مقطع التكريم قصيراً جداً، وصُوِّر على عجل ويصعب قراءة أسماء صانعي الأفلام المكرّمين. بعد هذه الليلة، وما شاهدنا كل شيء، نستغرب كيف أن هوليوود بعظمتها لا يمكنها أن تخرج بليلة تليق بها وبالسينما.