الأخبار ـ محمد وهبة
انعقدت أمس لجنة المؤشّر وأقرّت زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 18 مليون ليرة وزيادة المنح المدرسية في المدرسة الرسمية عن كل تلميذ إلى 4 ملايين ليرة وفي المدرسة الخاصة إلى 12 مليون ليرة ضمن حدود 3 تلاميذ.
هذا القرار كان متفقاً عليه قبل نحو أسبوع، لذا لم يكن هناك نقاش جدي في مضمونه، بل اندلع نقاش من نوع آخر أطلقه الباحث محمد شمس الدين عن الحدّ الأدنى الذي يحقّق كرامة العيش للعائلة بقيمة 52 مليون ليرة لمواكبة الأسعار الفاحشة في السوق التي تتضمّن أرباحاً هائلة تصل إلى 500%.ترأّس الجلسة وزير العمل مصطفى بيرم بحضور رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، بالإضافة إلى ممثلي الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر وحسن فقيه، وممثل وزارة المال شربل شدراوي، وعن إدارة الإحصاء المركزي أليسار ناصر، والباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، ومقرّرة اللجنة ريتا بجاني، وعن وزارة العمل إيمان خزعل، وزهير فياض، ومستشار الوزير بسام عليق.
الزيادات المتفق عليها مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أُقرّت سريعاً. بحسب مصادر مطّلعة، لم يتخلّل النقاش سوى عبارة واحدة قالها شماس مشيراً إلى أن أصحاب العمل لم يكونوا موافقين على هذا المستوى من الزيادة إنما «بالمونة وافقنا على ما تعهّد به رئيس الهيئات محمد شقير». ردّ شمس الدين بالإشارة إلى أن المسألة لا تتعلق بـ«المونة» بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم والدراسة، إذ إن وظيفة وصلاحيات اللجنة كما حُدّدت في المادة الثانية من مرسوم تعيينها تقوم على «درس تطور الأسعار وأسباب ارتفاعها، رصد قضية الغلاء وإعداد مؤشّر دوري لتقلّبات الأسعار، درس الأرقام القياسية لغلاء المعيشة في إدارة الإحصاء المركزي، درس سياسة الأجور وتقديم المقترحات والتوصيات الآيلة إلى مكافحة الغلاء والحدّ من ارتفاع الأسعار». وبنى شمس الدين على ذلك، للإشارة إلى أن الحدّ الأدنى يرتبط بتحقيق عيشة لائقة للأجير تتيح له العيش بكرامة، وأنه وفق الأرقام والإحصاءات المتصلة بغلاء الأسعار يجب أن يكون الحدّ الأدنى 52 مليون ليرة لتحقيق الحياة اللائقة والعيش الكريم لعائلة نموذجية من أربعة أفراد. وقدّم أمثلة على هذا الأمر، إذ إن كلفة مياه الشرب وحدها لهذه العائلة تتجاوز 3 ملايين ليرة، أي 16.5% من الحدّ الأدنى بعد الزيادة المتفق عليها، وهذا الأجر يجب أن يضمن أيضاً كلفة السكن والكهرباء والتعليم والصحة... أما «المونة» فلا مكان لها. ما لم يقله شمس الدين أن «المونة» تحوّل لجنة علمية مثل لجنة المؤشّر إلى «دكانة» أو «بازار» يتفاوض فيه العمال وأصحاب العمل برعاية الدولة بشكل عشوائي واستنسابي من دون أي تنظيم لمصالح كل من الطرفين وارتباط بعضها ببعض.
وتقول المصادر إن ممثلي أصحاب العمل (شقير، فهد، بكداش وشماس) ردّوا بأن الشركات والمؤسسات لا يمكنها أن تتحمّل زيادة كهذه، فردّ شمس الدين بالقول إن الأسعار في السوق تعبر عن تصحيح في الأرباح التجارية بما يفوق المستويات المقبولة. فعلى سبيل المثال، يباع الخيار في السوبرماركت أعلى بخمسة أضعاف من سعره في سوق الحسبة، ومعجون الأسنان الذي يستورد بدولار واحد يباع بثلاثة دولارات، وهذه ليست سوى أمثلة بسيطة عما يحصل في السوق وعن الأرباح التي تتخطى المعقول، لكنّ المشكلة أن أصحاب العمل يردّدون بأنهم ليسوا قادرين على التعامل مع زيادة الحدّ الأدنى إلى المستوى الذي يحقق العيش اللائق للأجراء. عندها ردّ شقير بأن الأرباح التجارية لا تتخطّى 5%.
انتهى النقاش في هذه المسألة، طالما أن هناك اتفاقاً يتخطّى العلم والدراسات الإحصائية. لكن اندلع نقاش من نوع آخر على خلفية الأثر الناتج من هذه الزيادات على سلّم الرواتب المدفوعة للأجراء، إذ بات يترتّب على أصحاب العمل أن يرفعوا الرواتب التي كان يُصرّح عنها بقيمة 18 مليوناً أو أقلّ. وهنا تدخّل المدير العام للضمان مشيراً إلى أنه ليس من المنطقي أن تنحصر الزيادات بالحدّ الأدنى لأن الأمر لن يكون منطقياً، وبالتالي فإن المداخيل التي ستتحقق للضمان بنتيجة هذه الزيادة يفترض أن تكون أعلى وأن تعيد تدفق الأموال إلى الضمان، ما يتيح له رفع نسبة التغطية الحالية في الطبابة والاستشفاء إلى 60% بدلاً من 10%.
في النهاية، وُضع النقاش جانباً في انتظار أن يعود أصحاب العمل إلى اللجنة حاملين دراساتهم عن الأسعار والأرباح وعن قدراتهم المالية لمناقشتها في اللجنة ووضع تصوّرات مستقبلية عن الأجور. تتوقّع المصادر ألا يحصل هذا الأمر إلا إذا أصرّ وزير العمل على حصوله.
وبعد الاجتماع قال بيرم، إن اجتماع لجنة المؤشّر (أمس) رقمه 21، وهو يأتي في سياق «التقدّم خطوات لنعود كما كنا قبل الأزمة، مع مراعاة الأوضاع عند اللبنانيين وأصحاب العمل، وفي الوقت نفسه نراعي مصلحة العمال الذين هم الطرف الأكثر هشاشة في هذا الموضوع». ولفت إلى أن الوزارة سترسل مشروع مرسوم زيادة غلاء المعيشة إلى مجلس شورى الدولة، وصولاً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لاستصداره بمرسوم على أن «يوضع على جدول أعمال أول جلسة تُعقد لمجلس الوزراء».