الأخبار ـ أسماء إسماعيل
بعد حجز الودائع بشكل غير مشروع على مدى أربع سنوات ونيّف، صدر التعميم 166 في الثاني من شباط الماضي، الذي يسمح لمن يستوفي الشروط سحب 150 دولاراً من حسابه المصرفي. ضآلة المبلغ وشروط التأهّل الصعبة، ربطتا ردود فعل المودعين على التعميم بتقدير كلّ منهم لاحتياجاته وأولوياته المعيشية.
وعوض أن تعمل السلطة السياسية والنقدية على وضع خطة إنقاذية شاملة ترضي جميع المودعين، يجهد مصرف لبنان، كل مدة، في صياغة تعميم جديد يعمق أزمة المودعين ويرسم معايير تصنيف جديدة للتمييز بينهم. جنى عمر المودعين، المغتربون منهم والمقيمون، قضى في أقبية المصارف ومصرف لبنان، وتضخّم الأسعار بلغ 55 ضعفاً مقارنة بما كانت عليه في مطلع 2019، ما أدّى إلى تآكل المداخيل. هذه عيّنة من المودعين وتفاعلهم مع التعميم 166.رغم تأهّله مستوفياً الشروط، يمتنع غسان عن الانتفاع من التعميم 166 من منطلق الريبة والشك وعلى قاعدة «الحق ما بضيع». فهو قضى 11 عاماً في الكويت ليأتمن بنك بيبلوس على «تحويشة عمره». حين أنهى غربته، دخل إلى الملاك العام في إحدى المؤسّسات العامة، ولكن الانهيار وإفلات التضخّم قضما القسم الأكبر من راتبه. ما يحصل عليه لم يعد يكفي موظفاً خمسينياً لإعالة ثلاثة أطفال ووالدين عاجزين. لكن غسان يتمسك بمسلّمة «ممنوع مساس الوديعة» حتى استعادتها بقيمتها كاملة. هذا الأمر دفعه مراراً إلى رهن مجوهرات زوجته لدى جمعية القرض الحسن التي يردّد أنه لا يكنّ لها المحبّة، إنما مقابل الاستقراض لكفاف معيشته.
وعلى نقيض غسان، يرى فهد أنّ «الحق ما بضيع إلّا بلبنان». فمنذ عشرين سنة عمل أجيراً ثم سحب تعويض نهاية خدمته من صندوق الضمان قبل وقوع الانهيار بأشهر. أودع التعويض في أحد المصارف تمهيداً لإنشاء مشروعه الخاص مستقبلاً، إلا أنه لم يكن يتوقع أن يخسر مدخرات عمره. واظب على سحب القليل حين بلغ سعر الدولار المصرفي 15000 ليرة مقابل الدولار، لسداد احتياجاته اليومية بعد بيع كل ما يمكن بيعه من ممتلكات ومجوهرات. رغم هذه الحال، لم يكن وقع التعميم 166 على فهد، بالقدر المرجو من قبل واضعيه. فالمبلغ الشهري المستحق له يبلغ 150 دولاراً، يُعدّ زهيداً جداً مقارنة مع حجم التزاماته المؤجّلة والمصاريف الضاغطة. فهو حصل على دفعة أولى هي عبارة عن مستحقات شهرين، أي بقيمة 300 دولار، ولكنها لا تكفي لتغطية حاجاته الغذائية والأساسية لشهر رمضان، بالإضافة إلى بعض أعمال الصيانة الطارئة في منزله. ويرى أن قيمة المبلغ الإجمالي الذي سيحصل عليه خلال 29 شهراً، لا تساوي شيئاً أمام خسارة مدّخراته والتآكل في قيمتها بفعل غلاء الأسعار.
أمّن محمود لابنه، هجرة إلى إحدى الدول الأفريقية للعمل لدى أقاربه. بعد أشهر بدأ الشاب يرسل مبالغ شهرية إلى عائلته لمساعدتهم وادّخار ما تبقى لتأمين مستلزمات الزواج. شاء القدر أن يخطف الشاب في السنة الماضية، وعاهد الوالد نفسه ألا يمسّ المبلغ المودع في المصرف حتى ينفقه على عمل الخير. لكن أصيبت زوجته بمرض السرطان وبدأت تصبح أكلاف العلاج «مذلّة»، بحسب قوله، ما دفعه إلى تلقي التعميم 166 بشيء من الانفراج لا الامتنان. يلوم محمود السلطة السياسية التي دفعت الشباب إلى الهجرة حيث يتعرضون لشتى أنواع الخطر، ثم تسرق المصارف مردود غربتهم عن الوطن. «هالبلد بخسرك أحبابك ودنيتك وآخرتك»، هكذا ختم محمود كلامه.
«أنا لم أستفد من صيرفة، لذا كانت الإجراءات سريعة في المصرف للانخراط في سحب الـ150 دولاراً عبر التعميم 166»، هكذا تبرّر الحاجة إيمان تأهّلها السريع للاستفادة من شروط التعميم. إذ إنّ أميّتها لم تسعفها على فهم تعقيدات العملية وهي لا تثق بأحد ممن قدّم لها نصيحة، سوى قريب لها يعمل في أحد المصارف. التمست منه شبهة تتعلق بوجود «حرمة شرعية» على عمليات «صيرفة» فامتنعت عنها، مكتفية بمردود عملها اليومي في زراعة التبغ. كانت قد باعت نصيبها من ميراث والديها، ثم بدأت تودع قسماً من المردود السنوي لمحصول التبغ وقطاف الزيتون في أحد المصارف. تقول إنها كانت تتجنّب عمليات السرقة التي انتشرت في مكان سكنها في القرية. ضاعت أموال إيمان، كسائر الذين ضاعت أموالهم لدى المصارف، وباتت اليوم عرضة لمخاطر الغلاء والحاجات اليومية أكثر من أي وقت مضى. لذا، تنظر إلى الـ150 دولاراً بشيء من الرضا، والتعويض، ولا سيما أنها نزحت من قريتها الحدودية بفعل العدوان الإسرائيلي بعدما خسرت مع أختها موسم قطاف الزيتون والتبغ. تقول إنها ستدّخر الـ150 دولاراً، إلّا إذا «أصابتنا وعكة صحية» تفرض التصرّف بهذا المال. وتشير إلى أنها لا تحتاجه حالياً لأنها تحتفظ ببعض السيولة، وتتلقى مساعدة شهرية من حزب الله بقيمة 100 دولار، بالإضافة إلى مساعدة غذائية وطبابة مجانية منذ بداية العدوان.