أيّ نوع من الشكاوى والإخبارات تُحرّك التفتيش التربوي، وما هي أولوياته في التحقيق، ومع من يتدخل وضدّ من؟ تحيّر هذه الأسئلة أساتذة التعليم الرسمي منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية، أي منذ أن باتت ملاحقة «المتغيّبين قسراً» عن الحضور إلى صفوفهم ومعاقبتهم تتقدم على التحقيق في «اختلاسات مالية» موثقة، وحين أصبح تركيز المفتش على الدوامات والتأكد من تأمين إدارة المدرسة للقرطاسية وأدوات التنظيف أهم من متابعة مئات المخالفات الإدارية والقانونية لمسؤولين في وزارة التربية ومديري مدارس وثانويات.ولأن «فلترة» الشكاوى تسير وفق أهواء المرجعيات السياسية، يمكن أن تسلك معاملة مسارها العملي إلى التحقيق بسرعة البرق، و«تتبخر» أخرى بالسرعة نفسها، وقد يقلب مفتش أو مفتش عام أو رئيس تفتيش الحقائق ويفرّغ أي شكوى من محتواها ويحيلها إلى الحفظ، فيما يغضّ التفتيش البصر عن عشرات الإخبارات التي «يتفركش» بها يومياً في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. أما «الفذلكة» في ذلك، بحسب مصادر إدارية متابعة، فتعود إلى «الكيمياء» بين الوزير والمفتش العام من جهة، ومدى استقلالية المفتشين، إذ «لا يمكن أن ننتظر من مفتشين تربويين أن يحققوا في مكان يتقاضون منه تعويضات، كما في وزارة التربية، سواء من الامتحانات أو غيرها، في حين أن هدف المشترع من إلحاق التفتيش المركزي، منذ إنشائه عام 1959، برئاسة الحكومة وليس بالوزارات، كان إعطاءه هذه المساحة من الحرية والاستقلالية في عمله».
ورغم أن النصوص القانونية تحدد مهلاً لإجراء التحقيقات لا تتجاوز 3 أشهر، فإن الاستنسابية في «فلترة» المعاملات جعلت أساتذة في ثانوية ناديا عون الرسمية، مثلاً، ينتظرون منذ أكثر من عام مصير شكوى قدموها ضد المديرة السابقة للثانوية بالتكليف س. ب. تتعلق بمخالفات مادية وإدارية في الثانوية وفواتير بأسماء وهمية من دون العودة إلى اللجنة المالية التي رفضت توقيع الموازنة وأعلمت التفتيش بذلك، ومعاملات بلا طوابع وبلا أختام وبلا أرقام وزرع كاميرات لتنفيعات شخصية و«إفلاس» صندوق المدرسة. وتشير المصادر إلى أن المديرة السابقة كانت تحرّض على الإضراب وقامت بتقديم شكوى بهذا الخصوص في وجه الأساتذة. إلا أن كل هذه الارتكابات لم تحرّك، بحسب مصادر الأساتذة، التفتيش التربوي الذي لم يجر تحقيقاً بالشكوى حتى اليوم، فيما لا تزال المديرة أستاذة في الثانوية نفسها بـ 6 ساعات أسبوعياً!
التفتيش لم يحرك ساكناً أيضاً في قضية أستاذة في إحدى الثانويات في الميناء - طرابلس تعرضت للتهجم والإهانات والشتائم ومحاولة الضرب على خلفية طائفية، من أحد الأساتذة المقربين من مديرة الثانوية، المقربة بدورها من مدير التعليم الثانوي خالد الفايد. وقد نُقلت الأستاذة تعسفياً إلى ثانويتين أخريين بتبليغ من الأخير، وليس بقرار من وزير التربية الذي يحق له وللمدير العام فقط نقل الأساتذة من مدرسة إلى أخرى. هذه المرة حضر التفتيش إلى الثانوية وأجرى تحقيقاته، ولم يصدر أي تقرير ينصف الأستاذة المعتدى عليها، بل كان مصيرها النقل التعسفي بعد 4 سنوات من إقصائها عن التعليم، فيما بقي الأستاذ المعتدي في دوامه المريح وعمله الملحق بمكتب المديرة التي لا تتوانى، وفق مصادر متابعة، عن فتح أبواب ثانويتها للسمسرة الشخصية مع ثلاث جمعيات أهلية بحجة تنظيم دورات دعم للطلاب.
يغضّ التفتيش البصر عن عشرات الإخبارات التي «يتفركش» بها يومياً في وسائل الإعلام
في المقابل، تفتح مديرة ثانوية رمال رمال الرسمية في الدوير - الجنوب «خطاً عسكرياً» مع التفتيش التربوي، متسلحة بنفوذ زوجها وعلاقاتها الشخصية ووساطتها السياسية مع التفتيش، إذ يمكنها أن تنقل 30 أستاذاً في قرارات تعسفية متفرقة، وأن تستقدم أساتذة من دون اعتماد أي صيغة رسمية (تعاقد - ملاك) وتدفع لهم من جيبها الخاص وكأنها صاحبة مدرسة خاصة.
مع ذلك، نفذ التفتيش عقوبة من الدرجة الأولى (حسم 10 أيام) بحق النقابي حسن مظلوم لكونه تخلف عن الحضور إلى مركز التفتيش في بيروت للتحقيق معه في أسباب انقطاعه عن التعليم، فيما لم يتبلغ حتى الآن العقوبة بصورة رسمية، وإنما قرأها كما غيره على حساب المفتش التربوي العام على فايسبوك فاتن جمعة، من دون إعطائه فرصة الدفاع عن نفسه، علماً بأنه يحتاج إلى هذا التبليغ لكونه يعتزم التقدم بدعوى تشهير على وسائل التواصل بالثانوية والأستاذ ومراجعة أمام مجلس شورى الدولة والاعتراض لدى التفتيش. «الأخبار» حاولت التواصل مع جمعة للوقوف على معطياتها في كل هذه الملفات، إلا أنها لم توفق في الرد على أي من اتصالاتها أو استفساراتها. فإلى من يلجأ الموظف إذا كان التفتيش ملاذه الأخير؟ ومن يحاسب التفتيش إذا أخطأ أو ظلم الموظف؟ وأين التفتيش من كل ملفات الفساد في وزارة التربية، من التعويضات المضخمة للامتحانات الرسمية إلى تزوير شهادات الطلاب العراقيين، مروراً بحرمان أساتذة مثل الأستاذ محمد ديب في طرابلس من حوافزهم لاعتراضهم على قرارات إدارية وفساد الوزارة، في حين أن الشرط الأساسي لنيل الحوافز هو التعليم والمداومة، فيما المفارقة أن هناك متعاقدين في التعليم المهني يقبضون حوافز وهم خارج لبنان بتغطية من المديرة العام للتعليم المهني هنادي بري. وماذا عن الضرب الذي تعرض له موظفون على أيدي مسؤولين في الوزارة ومنهم الموظف في التعليم المهني طوني راشد والموظف في وزارة التربية علي الغول، ومحاولات إقالة مديرين تعسفياً كما حصل مع مديرة ثانوية حوض الولاية سعاد قصاص، ونقل مديرين لموظفين تعسفياً مقابل الامتناع عن نقل أساتذة بناءً على طلبهم إلى مدارس قريبة من منازلهم لتعذّر الذهاب إلى صفوفهم كحالة الأستاذة في ثانوية ضهور الشوير نتالي سليمان؟