الأخبار ـ رلى إبراهيم
10 آلاف مليار ليرة لبنانية هي الاعتمادات الممنوحة لوزارة الصحة في موازنة 2024 من أجل تأمين أدوية السرطان والأمراض المزمنة والمستعصية. رغم ذلك، الدواء مقطوع ولا يصل إلى المرضى. أما المستشفيات فقد خصّصت لها الوزارة سقوفاً مالية بمعايير غير واضحة. هذه الأسباب دفعت رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان إلى استدعاء وزير الصحة فراس الأبيض، إلى جلسة استيضاحية.
الأبيض قدّم إجابات تشير بوضوح إلى أن الطبابة والاستشفاء ليسا أولوية هذه الحكومة بعد.تقول مصادر نيابية إنه حين سئل وزير الصحة فراس الأبيض عن فقدان الأدوية، أجاب بأنه لم يطلق مناقصة شرائها بعد، ومؤكداً أن لدى الوزارة كمية من الدواء تكفي لسدّ حاجة المرضى، إلا أنها لم توزّعه بعد. وفي الجلسة، تلا كنعان وعدد من النواب رسائل تلقّوها من مرضى بأمسّ الحاجة إلى دواء السرطان ولا يحصلون عليه من الوزارة، بل إن بعضهم تلقّى إجابات من موظفي وزارة الصحة صادمة مثل: ألم تموتوا بعد؟ وتحت وطأة الضغط، تعهّد الأبيض بإطلاق مناقصة أدوية السرطان الأسبوع المقبل، على أن تصبح متوافرة للمرضى خلال شهر، وأنه سيعمد خلال هذه الفترة إلى استخدام الأدوية الموجودة في الوزارة التي كانت مخزّنة لأسباب مجهولة، رغم أن هناك من يعتقد بأن هذه الأدوية قد تكون متوفرة حصراً لأصحاب النفوذ.
بعد الدواء، تطرقت الجلسة إلى السقوف المالية للمستشفيات. وبدت معايير وزير الصحة لتوزيع السقوف المالية غير منطقية ومستغربة، إذ حرمت مستشفيات في مناطق مكتظة، مقابل تركيز كبير على الاهتمام بمستشفيات العاصمة وبعض المناطق التي تحظى باهتمام سياسي. وبحسب ما نقل النواب عن مداخلة النائب ملحم رياشي، فإن مستشفيات المتن الشمالي الذي يصل عدد سكانه إلى 500 ألف نسمة، لم يتجاوز مجموع المبالغ المخصصة لاستقبال المرضى في مستشفيات المنطقة، الـ 10 مليارات ليرة لبنانية (111 ألف دولار)، ما يجعلها قاصرة عن استقبال أعداد المرضى المتزايدة، إذ يضطر الأهالي الذين يواجهون حالات طارئة إلى نقل المريض الى مستشفيات بيروت لتلقي العلاج، وهذا الأمر يتطلّب وساطات من النواب وتدخلات منهم لدى مستشفيات بيروت.
برّر الأبيض رفع سقوف بعض المستشفيات المالية مقابل خفض أخرى بالتركيز على «الاختصاص»، وهو معيار لم يقنع النواب، وخصوصاً أنه يفترض بالمستشفيات استقبال كل المرضى مهما كانت حالتهم، ولا سيما أن هناك حالات طوارئ تستدعي استقبال أي مريض في أي مستشفى، وأن النواب أوضحوا أنهم يضطرّون إلى إجراء اتصالات لتحويل المرضى إلى مستشفى الرسول الأعظم. فمثلاً، يبلغ سقف الجامعة الأميركية المالي 30 مليار ليرة لبنانية، ومستشفى الروم 33 مليار ليرة، ومستشفى أوتيل ديو 27 مليار ليرة، ومستشفى الجعيتاوي 22 ملياراً، ومستشفى الزهراء 37 ملياراً، ومستشفى الرسول الأعظم 165 مليار ليرة، ومستشفى عين وزين 59 مليار ليرة، ومستشفى سيدة زغرتا 28 ملياراً، والمستشفى الإسلامي الخيري في طرابلس 30 مليار ليرة، ومستشفى دار الأمل الجامعي 46 ملياراً، كما سيّدة المعونات في جبيل، بينما بلغ سقف مستشفى المشرق في المتن الشمالي 10 مليارات (المستشفى الخاص الوحيد الذي منح سقفاً مالياً في المتن الشمالي)، ومستشفى سيدة لبنان (كسروان) 12 ملياراً، ومستشفى رياق (بعلبك) 8 مليارات ودار الشفاء 7 مليارات ومستشفى بنت جبيل 13 ملياراً.
وتبيّن أن وزير الصحة لم يعد جدولة السقوف التي كان قد وضعها الوزير السابق وائل بوفاعور، بل نسخها وضرب سقف المستشفيات الخاصة بـ 6.5 مقابل 9 أضعاف للمستشفيات الحكومية. ولم يكترث إذا كانت السقوف موزّعة سياسياً وطائفياً. أضف إلى ذلك، صعوبة المقارنة بين ما كانت عليه الأوضاع قبل 10 سنوات وما هي عليه اليوم، سواء لجهة قدرة الخزينة على التمويل، أو لجهة ظروف المواطنين في المناطق. لذا، يرى النواب أنه كان الأجدر بوزير الصحة، الذي يقدّم نفسه غير محسوب على جهة سياسية، وغير حزبي، أن ينسف كل التركيبة السابقة القائمة على المحاصصة والاستنسابية، وأن يجري مراجعة علمية لوضع المستشفيات وتوزيعها الجغرافي وعدد السكان في كل قضاء.
وتقول المصادر إن وزير الصحة أبدى «تجاوباً» مع مطلب النواب، إذ صرّح كنعان بعد الجلسة: «النقاش خرج عن الإطار المناطقي والطائفي، ووصلنا إلى الحلّ التالي الذي قضى بتعهّد وزير الصحة بتأمين التغطية لقدرة المستشفيات بما يخصّ عمليات القلب والجراحات والتمييل، ما يعني تغطية تجاوز السقوف من قبل وزارة الصحة وفق معايير وشروط محددة. وهناك مستشفيات تقدم الخدمات للمواطن أكثر من سواها، وتحصل على ما تحتاج إليه من سقوف، ويفترض بالمستشفيات الأخرى تقديم الخدمات للمواطن بوتيرة أفضل للاستفادة من الحل الذي توصلنا إليه. وهو ما يحلّ مشكلة أساسية لما كان مطروحاً، في المتن الشمالي أو كسروان أو عكار أو أي منطقة أخرى، بالتساوي والعدالة، وتوفير الخدمة للناس». أما في موضوع الأدوية، فأشار كنعان إلى أن «وزير الصحة شرح المعايير المعتمدة وأن ثمة إمكانية متاحة لتأمين الدواء وفق آلية وضعتها الوزارة، على أن تبدأ المناقصة بالنسبة إلى الأدوية الجديدة الأسبوع المقبل، وهناك إمكانية لتوافر الأدوية السرطانية على مدى 10 أشهر».