الأخبار ـ فؤاد بزي
في جلسته الأخيرة، أجاز مجلس الوزراء لمحتكري الاسمنت الثلاثة «شركة الترابة الوطنية، اسمنت السبع»، «شركة هولسيم» و«شركة سبلين» استخراج المواد الأولية من الأراضي اللبنانية لصناعة الاسمنت، لمدّة سنة واحدة، مع إمكانية التجديد السنوي. قرار يأتي بعد تخريب للأراضي يمتدّ على 12 سنة، وتلويثها بكلفة 9 ملايين دولار، والتهرّب من تسديد رسوم وغرامات بقيمة 370 مليون دولار. لطالما كان هذا الكارتيل يحظى بحماية الدولة التي منعت الاستيراد وفرضت رسوماً جمركية عليها تراوحت بين 36% و86%، ما ولّد لها أرباحاً طائلة.
في عزّ الأزمة في عام 2021، بلغ هامش الربحية لشركة هولسيم 18.4% وزادت أرباحها بنسبة 101% مقارنة مع السنة السابقة. وفي السنة التالية، ارتفع هامش الربحية إلى 23% وزادت أرباحها بنسبة 385%. هذا يرد في التقارير السنوية للشركة، وعلى خطاها تسير الشركتان الأخريان. أرباح تتحقق بشكل أساسي من التلوّث المرتفع الذي تسبّبه هذه الشركات، ومن نفوذها المتشابك مع مصالح السلطة السياسية.
فلم يكد مجلس الوزراء يتخذ قراراً في شباط 2023 بمنع هذه الشركات من استخراج المواد الأولية من الأراضي اللبنانية لمدّة ثلاث سنوات، حتى سمح لها بالاستخراج مجدداً في 19 آذار 2024. برّر المجلس أسبابه الموجبة بـ«الخوف من بروز سوق مرادف غير شرعي لمادة الترابة في لبنان»، وأضاف طبقة ثانية من التبريرات متصلة بأنه يسعى إلى منع «زيادة الأعباء على المواطنين، ولا سيما أن استيراد الاسمنت ممنوع منذ عام 1993 بلا إجازة مسبقة من وزارة الصناعة، وفي حال صدور إجازة لاستيراد مواد أولية تستخدم في صناعة الاسمنت مثل «الكلينكر» والترابة، يترتّب على مستوردها تسديد رسم جمركي يتراوح بين 36% و86% بحجّة حماية ثلاثي الاحتكار. ففي السنوات الماضية، أدّى الاحتكار وظيفته، إذ ارتفع سعر طن الترابة في لبنان ليصبح الأغلى في المنطقة والعالم. السعر الرسمي الذي تحدّده وزارة الصناعة يساوي 7 ملايين ليرة، أو ما يعادل 78 دولاراً للطن الواحد، بينما السعر الفعلي في السوق لا يقلّ عن 95 دولاراً، تزاد فوقه كلفة النقل، علماً أن متوسط سعر طن الاسمنت في الدول المجاورة لا يزيد على 25 دولاراً.
قرار مجلس يمثّل بديلاً من عجز السلطة في التعامل مع «الاحتكار». فالمشكلة تكمن في أن الشركات المحتكرة بحاجة إلى المقالع والكسارات لاستخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة الاسمنت، وكانت تحصل على تراخيص الاستخراج من خلال «مهل إدارية وقرارات استثنائية»، إذ إنها كانت تخالف المخطط التوجيهي الصادر في 2002 الذي يحدّد لها مقالع ومحافر في مناطق معينة، ولم تكن تتقيد بالقيم الحديثة للانبعاثات الملوّثة للبيئة.
رغم ذلك، يرى وزير البيئة ناصر ياسين أن قرار مجلس الوزراء «يعدّ خطوة على طريق تنظيم القطاع»، ويعتقد أنه لا يرتّب توجّهاً «لمصالحات مع الشركات، بل يفرض تدفيعها كفلة التدهور البيئي». ويشير إلى أن القرار لا يسمح باستحداث مقالع جديدة «بل يلزم الشركات بإقامة عازل نباتي بمواصفات محدّدة وبعرض 10 أمتار حول كل مقلع خلال فترة 3 أشهر، ويحظر التجويف الأفقي للأرض، والحفر في أيّ نقطة تقع دون 200 متر عن أقرب بناء سكني قائم بصورة قانونية، ويبعد الحفارات 500 متر عن الأنهار الرئيسية، كما يمنع القرار الحفر في قمم الجبال». كذلك حصر القرار استعمال المتفجرات لتفتيت الصخور، بشروط متصلة بحجم الحجارة ونوعيتها وكمية المتفجرات مقارنةً بكمية الصخور الممكن استخراجها، فضلاً عن إلزام الشركات الثلاث بالتوجه نحو اعتماد مصادر طاقة نظيفة بدلاً من مادة «البتروكوك» المعتمدة حالياً لتشغيل الأفران.
كما أن القرار يحمّل الشركات الثلاث كلفة التدهور البيئي الذي تسببت به؛ إذ يلزمها بالتعويض على المجتمع المحلي، وإعادة استصلاح الأراضي المتضرّرة، وتسديد كل شركة 25 ألف دولار سنوياً لإجراء تقارير وكشوفات ميدانية ومسوحات جوية.