الأخبار ـ فؤاد بزي
في جلسة الحكومة الأخيرة، عرض رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بعضاً من الخسائر على القطاع الزراعي في الجنوب: «تضرّر 8 ملايين متر مربع من الأراضي الزراعية، وفقدان 75% من المزارعين مصدر دخلهم»، وبالنتيجة اقترح ميقاتي إعلان المنطقة «منكوبة زراعياً، ولا سيّما أنّ الأضرار ستنسحب على السنوات المقبلة».
لاحقاً، خرج وزير الزراعة عباس الحاج حسن بتصريح يقدّر خسائر القطاع الزراعي في الجنوب وحده بـ«3 مليارات دولار». ما هي مصادر تقديرات هذه الخسائر؟ هناك مصدران لهذه التقديرات؛ الأول يعتمد على دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) المتعلقة بالأشهر الأولى من الحرب لغاية نهاية 2023 بشأن الأثر البيئي للعدوان على لبنان والذي جرى تضمينه في متن الشكوى التي أعدّتها وزارة البيئة لترفعها الحكومة ضدّ العدو الصهيوني في الأمم المتحدة. أما الثاني، فهو يعتمد على تقديرات صدرت الأسبوع الماضي عن مصلحة الزراعة في بنت جبيل والتي تمثّل الركيزة الأهم لدى وزارة الزراعة عن تقديراتها لحجم الأضرار.
يقول تقرير الـUNDP، إن التدمير الكلّي شمل الآتي: 60 خيمة زراعية، 600 متر مربع من مستودعات الأعلاف، إحراق 285 ألف متر مربع من بساتين الزيتون والموز والحمضيات بالفوسفور الأبيض، دمار نحو 250 قفير نحل، و700 رأس ماشية. كما تبيّن أنه قضي على المحاصيل الموسمية في بعض مناطق الجنوب بسبب تزامن توقيت بدء المعركة في تشرين الأول مع موسم قطاف الزيتون والخروب، ثم مع موسم قطاف العسل. وفي هذه الفترة أيضاً، انكفأ المزارعون عن تحضير أراضيهم لزراعة القمح والحبوب، ما سيؤدّي إلى خسارة الأسر التي تعتمد على الزراعة دخلها السنوي بشكل كامل. علاوة على ذلك، تأثّرت سلال التوريد الزراعية بالحرب بشكل واسع النطاق، ولا سيّما الإنتاج الحيواني من أبقار وماعز، ومصانع منتجات الحليب.
كانت هذه التقديرات الأولية التي لم يتم تقريشها من قبل المنظمة، لكن تقديرات وزارة الزراعة التي جرى تقريشها إلى خسائر بقيمة 3 مليارات دولار، فإنها بجزء أساسي تستند إلى تقدير أولي غير احترافي للخسائر اللاحقة بالقطاع الزراعي في منطقة بنت جبيل، تشير إلى «توقف الإنتاج كلّياً في 12 مصنعاً من الحجم الكبير للأجبان والألبان، كانت تستقبل يومياً آلاف الليترات من الحليب، وتحولها إلى أجبان وألبان تباع في كامل المنطقة الممتدة من الجنوب وصولاً إلى بيروت». كما يقول إن الإنتاج الحيواني في مزارع الماشية والدواجن في قضاء بنت جبيل تعرّض لـ«النكسة»، إذ أُقفلت 200 مزرعة بشكل تام «والمواشي بقيت من دون علف لعدم القدرة على إيصال الشاحنات إلى القرى الحدودية، وللحد من الخسائر والحصول على أموال بسرعة بسبب إضرارهم للخروج من قراهم باع المزارعون الأبقار بأسعار متهاودة، فانخفض سعر البقرة إلى أقل من 1000 دولار للرأس، علماً أنّ ثمنها يتجاوز 2500 دولار، كما بيعت الخرفان التي يصل سعر الرأس منها إلى 250 دولاراً بأقل من 100 دولار للرأس» يقول رئيس مركز وزارة الزراعة في بنت جبيل علي ياسين.
وهنا لا يقف تأثير اضطراب سلاسل التوريد على الدخل المباشر وسبل عيش المزارعين والأسر المعنيّة فحسب، بل يمتد أيضاً لتطاول آثاره ما هو أبعد من الاقتصاد المحلي في المناطق المتضررة من العدوان، إذ تصل إلى الأمن الغذائي في لبنان الذي تأثر مباشرةً بغياب عدد من المنتجات الزراعية مثل البندورة والخيار والحشائش التي كانت تُزرع في منطقة سهل الخيام، وأدى توقف زراعتها بشكل تام إلى ارتفاع أسعارها والاتكال على الاستيراد لتغطية الحاجة المحلية منها.
وفي قطاع الدواجن، وصف عضو النقابة اللبنانية للدواجن سمير عاشور حال المزارع في الجنوب بـ«الإبادة التامة». في بليدا وحدها، وفي مزرعة واحدة أبيد 12700 طير، وفي عيتا الشعب لا يعرف أصحاب المزارع ما جرى عليها، وفي عيترون أحجم المزارعون عن التربية الآن، علماً أنّ العدوان تسبّب بتدمير 12 مزرعة بشكل تام، بحسب عاشور، بالإضافة إلى عدد آخر من المزارع المقفلة. وحول الخسائر، فيقسمها عاشور إلى جزءين، خسائر مباشرة تطاول أفواج الدجاج التي تأثرت بالعدوان فنفقت بشكل مباشر بالقصف، أو لم يعد المزارع قادراً على الوصول إليها فنفقت، وخسائر غير مباشرة، وهي الأكبر، بحسب عاشور الذي يشير إلى خسارة أصحاب المزارع الفرصة لتربية 4 أفواج من الدجاج بسبب طول المدة الزمنية للعدوان، فالمزارع ينتج فوجاً من الطيور كل 45 يوماً، ما يعني عدم دخول نحو مليون فروج السوق المحلية. بالإضافة إلى ما سبق، يشير عاشور إلى خسائر على مستوى مزارع الدجاج البيّاض وفقاسات البيض. مزارع تفقيس الدجاج توقفت عن العمل، وهناك 20 ألف دجاجة لا تنتج بيضاً، وهنا تصبح الخسائر أكبر، فالدجاجة التي تبيض بيضاً مخصّصاً لإنتاج الفروج، المعروفة بـ«الإماية»، يصل سعرها إلى 20 دولاراً، في حين لا يزيد سعر الدجاج المخصص للأكل على 3.4 دولارات.