الأخبار
يقدّم المركز الاستشاري للدراسات قراءة لطروحات توزيع الخسائر مبنية على «تعارض التقديرات» بين ثلاثة أطراف، كل واحد منها يقدّم سردية مختلفة: المصارف، مصرف لبنان والحكومة.فقد بنت المصارف سردية لتوزيع الخسائر تقوم على أن الدولة، ممثلة بالحكومة ومصرف لبنان، «أجبرت» المصارف على إقراضها، لذا هي المسؤولة عن ضياع الودائع. ويقول المركز الاستشاري: «تفترض المصارف أن حدود مسؤوليتها القصوى يجب ألا تزيد على قيمة الخسائر المحقّقة حالياً، وهذه تقارب 7 مليارات دولار بعد اعتماد سعر 15 ألف ليرة لصرف الدولار مقابل الليرة». أي أنها قد تزداد مع رفع سعر الصرف إلى 89500 ليرة.
هذا الطرح يتيح لعدد من المصارف المحظيّة تسوية خسائرها من خلال إعادة الرسملة بالتقديمات النقدية، وإعادة تقييم الموجودات العقارية، وبيع الأصول الخارجية، وتحويل جزء من المطلوبات إلى حساب رأس المال (أي تحويل الودائع إلى أسهم). وترى المصارف وجوب إحالة 60 مليار دولار من الخسائر إلى عاتق الدولة «علماً أن المعنيّين يتفقون على أن الخسائر المصرفية تبلغ 70 مليار دولار». ولا ترى المصارف ضيراً من أن «تعبّئ الدولة إيراداتها الضريبية وعائدات أملاكها العامة وأصولها التجارية ومواردها المستقبلية المحتملة كالغاز والنفط، في تسديد ما هو متوجّب من خسائر».
في المقابل، يتبنّى مصرف لبنان مقاربة مختلفة. إذ عمد المصرف إلى نقل جزء من خسائره لتصبح على عاتق الدولة بقيمة 16.7 مليار دولار «ناتجة من تمويل الدولة بالعملات، وهذا ليس دقيقاً». ولا يزال في ميزانيته مبلغ 40.5 مليار دولار مدرجة في بند «فروقات إعادة التقييم»، ما يعني أن «على طرف ما تسديد هذا المبلغ وإلا تحمّلته الخزينة». وبذلك يلقي المصرف المركزي «على عاتق الحكومة تبعات تسوية مبلغ 57 مليار دولار من الخسائر».
أما الحكومة اللبنانية فهي «تلتزم شكلياً بعدم المسّ بالودائع، لكنها تخفض عملياً من خلال إعادة تصنيف الودائع بالعملات المتبقية لدى القطاع المصرفي، ما بين مؤهلة (40 مليار دولار) وغير مؤهلة (46 مليار دولار) بحيث تكون نسبة الاسترداد المؤهلة أعلى (ما بين الضعفين وثلاثة أضعاف) من نسبة استرداد الودائع غير المؤهلة، فضلاً عن تدابير استثنائية ومتشدّدة بخصوص الودائع غير المشروعة». بمعنى أوضح، هذه الخطّة تحمّل الودائع الجزء الأكبر من خسائر المصارف على النحو الآتي:
- هناك اقتطاع غير مباشر أو «هيركات غير مباشر» بقيمة 7.5 مليارات دولار بسبب صعوبة تبرير مصادر الأموال.
- شطب 10 مليارات دولار من الفوائد الزائدة، أي الفوائد التي أُعطيت على الودائع بنسبة تتعدّى النسبة الطبيعية في السوق.
- سيحسم 13 مليار دولار من الودائع المؤهلة وغير المؤهلة لتحويلها وفق قواعد تحويل رأسمالية لتكون جزءاً من أسهم المصارف (Bail In) في مقابل حصول أصحابها على أسهم بقيمة مليارَي دولار، أي ما يوازي نصف مجموع رأس مال المصارف الجديدة بعد إعادة الهيكلة.
- تسديد تدريجي وتصاعدي للمبلغ المحمي من الودائع المؤهلة لا يتجاوز 100 ألف دولار، و36 ألف دولار للودائع غير المؤهلة. القيمة الإجمالية للودائع المحمية تقدّر بنحو 22 مليار دولار تدفع مناصفة بين المصارف والمصرف المركزي ضمن مدى زمني يصل إلى 15 سنة، أي أن قيمتها الحالية الصافية تبلغ 13 مليار دولار.
- تحويل 30 مليار دولار من الودائع المؤهلة وغير المؤهلة إلى سندات مالية من فئة (أ) وما فوق تستحق بعد 30 سنة للودائع المؤهلة و40 سنة للودائع غير المؤهلة. ولا تزيد القيمة الحالية المحسومة لهذه السندات على 6 مليارات دولار، يسدّد نصفها من المصارف ونصفها الآخر نقداً من مصرف لبنان.
- تحويل 3 مليارات دولار طوعاً إلى الليرة بسعر صرف مخفض يتراوح بين 20% و50% من سعر الصرف السوقي.
- في المقابل، تلتزم الحكومة بإعادة رسملة مصرف لبنان بمبلغ 2.5 مليار دولار وتخصّص بعض إيراداتها المستقبلية وفق معايير محدّدة لتكون موجودات صندوق استرداد الودائع.
ثلاث وجهات لتوزيع الخسائر متعارضة في المضمون، متفقة على التعطيل
من خلال هذه الخطة، يتحمّل المودعون الجزء الأكبر من الخسائر. يقول المركز الاستشاري إن المودعين يستردّون، فعلياً، نحو 30% من قيمة ودائعهم، بشكل فعلي لكنهم يحصلون اسمياً، أو نظرياً، على ثلثَي ودائعهم «بشرط أن تكون الظروف الاقتصادية والماليّة والنقديّة مؤاتية. في المقابل، تتحمّل الحكومة ومصرف لبنان نحو 12 مليار دولار لكل منهما إذا احتسبت القيمة الفعلية الصافية للمبالغ المترتّبة على عاتق كل منهما».
ويستنتج المركز أن هذه الخطة «لا تلبّي معايير العدالة وموضوع التوازن، لكنها تنطوي على عناصر يمكن البناء عليها في إعداد مقاربة جديدة تنصف المودعين وتتجنّب بعض التصنيفات المعقدة والمجحفة. يمكن مثلاً دمج الودائع المؤهلة بغير المؤهلة بعد إعادتها إلى القيمة التي كانت عليها عند تحويلها من الليرة إلى الدولار. ويفترض أن يعامل المودعون في المصارف قيد التصفية معاملة غيرهم من المودعين، إذ يصعب فصل العوامل الذاتية التي تؤدي إلى تصفية مصرف ما عن الأزمة النظامية العامة. ويجب أن تتسم المعايير المعتمدة في تشخيص الودائع غير المشروعة بالمعقولية فنياً وقانونياً. ويمكن زيادة القيمة الفورية للودائع... يجب التفكير بصيغة أخرى ملائمة للمودعين وتغذي الدورة الاقتصادية للبلد في الوقت نفسه». أما في مسألة توزيع الخسائر، فيجب أن تتحمل المصارف كلفة تساوي أرباحها المقدرة من عام 2011، تضاف إليها أرباح الهندسات المالية وأن تعاد رسملة المصرف المركزي تدريجياً بما يتناسب مع التسوية».