الأخبارـ فؤاد بزي
مع بداية شهر أيار المقبل، ستنخفض ساعات عمل مطار بيروت الدولي من 24 ساعة إلى 8 ساعات فقط، إذ سيقتصر دوام الموظفين الفنيين في المديرية العامة للطيران المدني فيه على ساعات العمل الإدارية اليومية من الثامنة صباحاً حتى الرابعة من بعد الظهر.
وسيغلق المطار أبوابه وتتوقف الرحلات مساء وأيام الأعياد والعطل الرسمية، ويومَي السبت والأحد من كلّ أسبوع. للوهلة الأولى يبدو الخبر جنونياً، ولكنّ إهمال الحكومة مطالب 200 موظف فني في ملاك المديرية العامة للطيران المدني دفعهم أمس إلى إصدار بيان أكّدوا فيه «التوقف عن القيام بالأعمال الليلية ابتداءً من أول شهر أيار المقبل». بالنسبة إليهم «4 سنوات من التضحية تكفي، فساعات العمل الليلي المجانية والمرهقة أدت إلى وفاة الموظف في مصلحة الأرصاد الجوية علي فقيه الأسبوع الماضي لعدم قدرته المادية على علاج مرض تضخم عضلة القلب»، والآن يريدون من الدولة معاملتهم على مستوى الدوام معاملة موظفي الإدارة العامة التي ينتمون إليها، ما يعني لا ساعات عمل ليلية.
مشكلة موظفي مصالح مديرية الطيران المدني أنهم يتقاضون بدلاً إضافياً عن ساعات العمل الليلي وفقاً للمعادلة التي تعطي 1/100 من قيمة أساس الراتب لكل ساعة ليلية يعملون فيها، و1/75 من قيمة أساس الراتب لكلّ ساعة عمل خلال العطل الرسمية والأعياد. فالمطار يعمل على مدار الساعة. وبحسب قوانين تشغيل هذا المرفق، على كلّ موظف العمل 10 أيام بدوام ليلي إضافي لدوامه الإداري النهاري، بمعدّل 10 ساعات إضافية يومياً، ما يعني زيادةً شهرية مقدارها 100 ساعة عمل على دوامهم الرسمي المقدّر بـ 132 ساعة شهرياً.
في المقابل، يتقاضى موظفو المديرية العامة للطيران المدني إلى جانب رواتبهم المضاعفة 9 مرّات مع الزيادات كلّها، وفقاً للمرسوم 13020، أساس راتب واحد لا تزيد قيمته على 3 ملايين ليرة شهرياً، أي 35 دولاراً، مقابل ساعات العمل الـ 100 الإضافية، رغم دولرة كل الرسوم في المطار، وهنا يكمن لب المشكلة. فمن البداهة تصحيح بدل ساعات العمل الليلي لموظفي مديرية الطيران المدني، لكن الحكومة التي ضاعفت الرواتب 9 مرّات لموظفي الإدارة العامة، وأضافت بدل بنزين وبدل مثابرة على التقديمات الشهرية بغية زيادة إنتاجية الموظف في القطاع العام، أسقطت من حساباتها تصحيحاً يحافظ على حسن سير العمل في أحد أهم المرافق في الدولة، وخلقت تمييزاً في مكان العمل الواحد، فموظفو الطيران المدني يعلمون بأنّ إدارة الجمارك اتخذت قراراً ضاعفت بموجبه بدل ساعات العمل الليلي لموظفيها، وأصبحت تراوح بين 600 ألف ليرة عن كل ساعة عمل ليلي لموظفي الفئة الخامسة وعناصر الضابطة الجمركية، إلى مليون ونصف مليون ليرة لموظفي الفئة الثانية.
أما الدولة، فقد سلّمت المطار إلى شركة طيران الشرق الأوسط التي تولّت توزيع «عطايا» على موظفي مديرية الطيران المدني بغية تحقيق المزيد من الأرباح. «ميزة» هذه العطايا أنها غير متساوية، إذ يحصل العاملون في مصلحة الملاحة المسؤولة عن تأمين إقلاع وهبوط الطائرات، على مبالغ تصل إلى 4 آلاف دولار إضافية على رواتبهم الشهرية، وفقاً لمصادر «الأخبار» في المطار، فيما توزّع شركة طيران الشرق الأوسط على بقية الموظفين مبالغ أقل بـ 10 مرات من تلك التي يحصل عليها موظفو مصلحة الملاحة، ولا تزيد على 400 دولار شهرياً، ما دفع بموظفي مصلحة سلامة الطيران، ومصلحة الصيانة، ومصلحة الاتصالات الجوية إلى الإعلان عن خطواتهم التصعيدية، فيما رفض موظفو مصلحة الملاحة التضامن مع زملائهم.
أمام هذا المشهد، يفضّل عدد كبير من الموظفين الفنيين في المطار هجرة وظيفة الدولة، فـ«كل شهر يغادر 4 موظفين على الأقل»، تقول المصادر، إذ إنّ هؤلاء يمتلكون خبرات في تشغيل أجهزة المطارات تزيد على 25 عاماً، وتسمح لهم بالعمل بأجور أكبر من رواتبهم بـ 15 مرة على الأقل. أحدهم، تقول المصادر، وجد عملاً في مهبط طائرات اليونيفيل في الناقورة بـ 8 آلاف دولار شهرياً، وآخرون فضّلوا السفر إلى دول الخليج العربي بأجور لا تقل عن 5 آلاف دولار شهرياً. وبالتالي، النقص في الموظفين الفنيين في المطار أصبح فاضحاً، بحسب المصادر، إذ لم يبقَ سوى 200 موظف فني في مصالح مديرية الطيران المدني من أصل ملاك يصل تعداده إلى 1000 موظف، ومعدّل أعمار الباقين يزيد على 45 سنة، وبسبب تناقص أعداد الموظفين يزيد النزف أكثر، فالباقون يُحمّلون أعباء إضافية، وعند زيادة الأعباء تزيد العقوبات، فيما تبقى البدلات على حالها.