كريم الأمين ـ الأخبار
«نحن اليوم عند مفصل جديد. نظام اللادولة تعطّل بحلقاته الثلاث، السياسيةــ الطائفية والمالية، والخارجية». هذه العبارة تلخّص الواقع الحالي كما يراه الأمين العام لجمعية «مواطنون ومواطنات» شربل نحاس.
كلامه جاء في محاضرة أقامها مسرح المدينة أول من أمس بعنوان «شو صار؟ شو عم يصير؟ شو فينا نعمل؟». لدى نحاس تعبير خاص عن الأزمة، لا يكون فيه الاقتصاد والمال معزوليْن عن المجتمع والسياسة والإقليم. فهو لا يزال يعتقد أن «الأزمة فرصة» لتقديم البديل ضمن خطوة أولى: إدارة المرحلة الانتقالية بحكومة لديها صلاحيات تشريعية استثنائية ولا يهدف برنامجها إلى «ترميم أو إنتاج صيغة متحوّرة مما كان، بل لطيّ الحقبة التي ساد فيها».
بالنسبة إليه، يبدأ الأمر بتعداد المقيمين اللبنانيين والأجانب، وتحديد أوضاعهم التعليمية والصحية والمهنية مع ما يترتب على كل فئة منهم من حقوق وواجبات مالية وضريبية ومهنية وعسكرية. كذلك يجب الشروع فوراً في تعميم التعليم الأساسي المجاني والتغطية الصحية الأساسية. هذه المسائل ضرورية ليوافق المجتمع على اعتبار الخسائر التي تكبّدها تضحيات تأخذه نحو «الدولة». وهناك تحديات كبيرة ومنها، الخروج من الدولرة «التي فرضت نفسها منذ أواسط الثمانينيات»، إذ من الضروري «استعادة حرية التأثير عبر السياسات النقدية للتحكم بانحرافات الأسعار الداخلية النسبية وتأثيراتها على كلف المعيشة والإنتاج». أيضاً بالنسبة إلى المصارف والمؤسسات المالية، يجب تحديد وظيفتها ودورها في المجتمع من خلال «إعادة الوساطة المالية إلى دورها المحتاج: تمويل حلقات الإنتاج والتوزيع من جهة، وتمويل الاستثمارات من جهة أخرى، مع فصل فئتي المصارف لناحية طبيعة موارد تمويلها وأشكال تسليفها ومخاطرها، بعد التطبيق الفوري لقانون 1991 رقم 110 لإصلاح الوضع المصرفي، أي إنهاء للمهزلة-المأساة المستمرّة منذ خمس سنوات».
في هذا الإطار، يجب «حسم الخيارات القطاعية والاجتماعية، التي تبقى محكومة بصغر البلد، وبخسارة الموارد، وبالانحرافات التي تراكمت لعقود على صعيد المؤسسات والقوى العاملة». يرى نحاس أن هناك هدفين أساسيين: «توفير فرص العمل للبنانيين لوقف الهجرة، وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية لوقف التسوّل والارتهان». وهذا يتطلّب «القيام بالاستثمارات العامة الآيلة إلى خفض الكلف الاقتصادية الداخلية وحجم الاستيراد ولا سيما في النقل والطاقة، وإرساء نظام ضريبي لا يقتصر على جمع التمويل بأسهل الطرق، بل يُصمَّم لتأدية دور تحفيزي خدمة للمصالح الاقتصادية العامة، فلا يعتمد مقاييس المحاسبة الخاصة كمرجع مطلق، إذ لا يجوز التعامل مع دفع الأجور وتدريب العاملين أو حملات الدعاية ومصاريف الحفلات والترفيه كأنها أعباء متوازية التأثير على الربح، كما أن المبيعات الداخلية أو الصادرات لا يجوز التعامل معها كأنها مداخيل متوازية التأثير عليه».
ولا يمكن أن يحصل ذلك من دون إعادة الاعتبار للأجر، «ليس فقط عبر تحسينه بل أولاً عبر تحصينه وإنهاء مهانة بدلات النقل والمساعدات الاستثنائية وغيرها من البدع». ومن الأهداف الأساسية أيضاً توسيع نسبة المشاركة في العمل، وانتشال الإدارة العامة من الاحتضار ومن استخدامها كمواقع توفر للزعيم مالاً أو قدرة على شراء الولاءات. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم «تصحيح الانحرافات البنيوية في الاقتصاد بعدما تمادت لعقود».
يعتقد نحاس أن ذلك لا يمكن أن يحصل بمعزل عن «اعتماد سياسات خارجية مسؤولة للبنان البلد الصغير، وسوقه الداخلية ضيقة، ومجتمعه مشتّت بين مواطنين مهاجرين وأجانب مقيمين توازي أعداد كل منهما مواطنيه المقيمين، وهو واقع ضمن إقليم ممزّق ومستباح، وأطراف خارجية عدة، دولية وإقليمية، حاضرة فيه مباشرة وعبر رعاية أحزاب سياسية أساسية فيه». تقوم السياسة الخارجية، وفق رؤية نحاس على «الفصل بين داخل وخارج لأن هذا بالتحديد ما تقوم به وما تقوم عليه الدولة».
برأي نحاس، «نحن اليوم أمام مفترق» يتطلب مواجهة لا على قلّة الموارد، بل على تأطيرها. الردّ على تبدّد المؤسسات يجب أن يكون من خلال «إنشاء تشكّلات مؤسسية: جامعة لا تهدف إلى تصدير الشباب... ومؤسسات إعلامية لا تكون طبولاً لتنظيمات سياسية عاجزة إلا عن شد الأعصاب ولا منصات مأجورة لمشاريع خارجية، مراكز عناية صحية تحرّر الناس من ابتزاز الطامحين للزعامة وتجار الخدمات والأدوية». وفي مقابل القلق والتخوّف والإحجام «يكون الرد باعتماد الصيغ التعاضدية لقلب الخسائر إلى تضحيات مجزية، أي إلى استثمار». ومقابل «تفشّي مساعي التدبّر الفردي ومصاعب الحياة اليومية، ومقابل التطويق الذي تتولاه أدوات التكيّف على معارضيه، هناك حاجة إلى توفير الدعم للبدائل وذلك لا يكون بالانخراط في منظومات الإن جي أوز وأجندات مموّليها ولا في تنظيمات الوجاهة وضمن ادّعاءات الخبرة، بل عبر تنظيم الإسهامات المالية والعينية الطوعية، الواعية لغاياتها».