ايفا ابي حيدر - صحيفة الجمهورية
بعد الأزمة المالية التي ضربت المصارف اللبنانية، تراجع اللبنانيون عن استعمال البطاقات المصرفية وتحوّلوا الى اقتصاد الكاش، يحاول مصرف لبنان اليوم إحياء عمل هذه البطاقات. فما الذي تغيّر؟ وهل من تحفيزات للسير بهذا التوجّه؟
بهدف التخفيف من التعامل النقدي في السوق اللبناني، دعا حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في بيان أصدره مؤخّراً، المصارف والمؤسسات المالية، لاعتماد كافة التسهيلات لتأمين خدمات الدفع الالكتروني بأقل كلفة ممكنة. وطالب التجار بعدم وضع اي رسوم او أعباء اضافية على المستهلك عند استعماله بطاقات الدفع. وفي الوقت نفسه بادر مصرف لبنان الى إعادة تشجيع استعمال بطاقات الدفع بالتنسيق مع شركتي «ماستركار وفيزا» والمصارف، من خلال العمل على خفض كلفة استعمال بطاقات الدفع محلياً او تلك الصادرة خارج لبنان والمستعملة في السوق اللبناني، على ان يقابلها مشروع يتمّ إعداده بين المركزي والمالية لقبول بطاقات الدفع كوسيلة لتسديد الضرائب والرسوم لدى جميع صناديق وزارة المالية.
فما الغاية من هذه التدابير؟ وهل تكفي هذه الدعوة التي لم تصدر بتعميم، لحث التجار على قبول الدفع بالبطاقة المصرفية، ام انّ هناك تحفيزات وتطمينات اضافية مطلوبة؟
بالاستناد إلى الارقام الصادرة عام 2019 فقد وصل عدد البطاقات المصرفية (debit &credit) إلى مليوني و 516 الف بطاقة، ولدى المقارنة بالعام 2023 تراجع عدد البطاقات المصرفية إلى مليون و561 الف بطاقة. أما بالنسبة إلى حجم الإنفاق المحلي عبر هذه البطاقات فقد بلغ عام 2019 مليارين و800 مليون دولار، وقد تراجع هذا الرقم الى 200 مليون دولار عام 2023، أما بالنسبة الى الإنفاق الخارجي بواسطة هذه البطاقات فقد بلغ عام 2019 ملياراً و 200 مليون دولار، فيما تراجع عام 2023 الى 400 مليون دولار. وتُظهر هذه الارقام مدى تأثير الأزمة المالية على هذه السوق، خصوصاً انّ عدداً كبيراً من المحلات التجارية والمؤسسات المطعمية والمؤسسات التربوية والجامعية... رفض رفضاً قاطعاً، ولا يزال، قبول الدفع بواسطة البطاقة المصرفية، في حين انّ البعض الآخر كان يقبل بها شرط إضافة نسبة مئوية على الفاتورة يتحمّلها صاحب البطاقة. ولجأ البعض الآخر إلى قبول الدفع مناصفة ما بين النقدي والبطاقة، وحدها السوبرماركات ظلّت تقبل الدفع بواسطة البطاقة المصرفية، رغم انّها لجأت في فترة ما خلال الأزمة الى قبول الدفع نص/نص.
لكن ماذا عن «الرسوم والأعباء الإضافية» التي تحدث عنها منصوري في بيانه الاخير، مطالباً التجار بعدم تحميلها للمستهلك؟ ما هي نسبتها؟ وهل كان يحملها المستهلك قبل الأزمة؟ وهل يُعتبر مطلب منصوري ملزماً؟
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي نسيب غبريل لـ«الجمهورية»، انّه خلال فترة ما قبل الأزمة كان التاجر يحمل كل أعباء تنتج من استعمال البطاقة المصرفية ولا يحملها للمستهلك، بحيث كان صاحب البطاقة يسدّد فاتورته كما ترد اليه، أكان بالدولار او بالليرة اللبنانية، أكانت صادرة عن مصرف لبناني او أجنبي خارج لبنان. لكن بعد الأزمة، توقف غالبية التجار عن قبول الدفع بواسطة البطاقة المصرفية، لأنّه ما كان يمكن استعمال هذه الاموال نقداً، ولكن لا شك كان هناك بعض الاستثناءات، بحيث استمر بعض التجار قبول الدفع بواسطة البطاقة المصرفية أكان من المصارف المحلية او تلك الصادرة عن مصارف خارج لبنان، وفرض غالبيتهم تحميل المستهلك كلفة استخدام البطاقة بإضافة نسبة مئوية تتراوح ما بين 1 و 4% إلى كل فاتورة، علماً انّ بعض التجار لجأوا بغير حق إلى رفع النسبة المئوية على استخدام البطاقة لتزيد عمّا تفرضة شركتا «فيزا وماستركارد».
وعن الهدف من وراء بيان الحاكم بالإنابة الاخير، اوضح غبريل انّ هناك توجّهاً لدى مصرف لبنان لتقليص حجم التداول النقدي في السوق التزاماً بالمعايير الدولية الخاصة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، ورفع عدد المحلات التي تقبل الدفع بواسطة البطاقات المصرفية، على ان يعمل مصرف لبنان في المقابل على توسيع مروحة المدفوعات التي يمكن دفعها للدولة بواسطة البطاقة المصرفية، مثل المشروع الذي يعدّه مع المالية، تسمح بدفع الضرائب بواسطة البطاقة.
وعمّا إذا كانت هناك تدابير ستتخذها المصارف للتقيّد بمطلب المركزي، اوضح غبريل انّ ما صدر عن مصرف لبنان ليس تعميماً انما هو بيان يتضمّن إرشادات غير ملزمة. اما اذا كانت لدى مصرف لبنان مطالب معينة من المصارف في هذا الخصوص فسيصدرها بتعميم. وأوضح انّ الغاية من هذا البيان تشجيع التجار على القبول مجدداً ببطاقات الدفع المصرفية، وحث المستهلك على استخدامها. فاستناداً الى ارقام مصرف لبنان، هناك مليونا بطاقة دفع موجودة في السوق اللبنانية تتنوع ما بين بطاقة دفع، وبطاقة ائتمان، في مقابل تراجع لافت بعدد المتاجر التي تقبل الدفع بواسطتها.