الأخبار
شهدت الأجور في الاقتصاد اللبناني انهياراً كبيراً منذ بداية الأزمة. وانعكس ذلك على القدرة الشرائية للأسر اللبنانية التي اضطرّت إلى التخلّي عن الكثير من الأساسيات للتأقلم مع الواقع الجديد. الترجمة العملية لهذا الأمر تظهر في تغيّر حصّة الفرد من الدخل القومي التي تراجعت من 9000 دولار للفرد قبل الأزمة إلى 3500 دولار في 2023. أيضاً يظهر الأمر في بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول الأجور المصرّح عنها، إذ اتسعت شريحة الذين يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور من 18% من عدد الأجراء المسجّلين قبل الأزمة، إلى 30% اليوم.
تظهر بيانات الضمان الاجتماعي في الفصل الأول من 2024، أن 88% من الأجراء أو 287 ألف أجير يتقاضون ضعفَي الحد الأدنى للأجور مقارنة مع 60.4% أو 181 ألف أجير في عام 2018. كذلك، تظهر أن ثلث الأجراء أو 98 ألف أجير في 2024 يصرّح عن أجورهم بأنها لا تتخطى الحدّ الأدنى للأجور مقارنة مع 54 ألف أجير في 2018. صحيح أن هذه البيانات قد لا تكون دقيقة لجهة التصريح الخاطئ من قبل الشركات للتهرّب من تسويات نهاية الخدمة، إلا أنها تدل على الفروقات في توزّع الأجور، بين فترة ما قبل الأزمة واليوم. أما من يتقاضون أكثر من خمسة أضعاف الحد الأدنى، فتبلغ نسبتهم اليوم 1.4% من الأجراء المسجلين وعددهم 4500 أجير، في حين كانت نسبتهم تبلغ 12.5% في 2018 وعددهم كان 23 ألف أجير.
لدى أصحاب المؤسسات مصلحة نفعية في الإحجام عن التصريح عن الأجور الفعلية لأجرائهم. فمن جهة، التصريح بأجور مرتفعة يترتّب عليه دفعات شهرية، من قبل أصحاب العمل، أعلى للضمان، وهو ما يُسهم في زيادة الكلفة عليهم. ومن جهة أخرى، تسجيل الأجراء بأجورهم الحقيقية يعني أنهم سيضطرون إلى دفع تسويات مرتفعة لنهاية الخدمة، بحسب قانون تعويضات نهاية الخدمة الجديد. علماً بأن هذا القانون كان مجحفاً بحق العمّال، إلا أن أصحاب العمل لا يريدون القبول بهذا القانون حتى، وبالتالي يحاولون التهرّب من خلال التصريح الخاطئ عن أجراء عمّالهم.
لكن من ناحية أخرى، ومع أن احتمال وجود أن لا تكون هذه الأرقام دقيقة، هذه البيانات لها دلالات أخرى يمكن استنتاجها. أولاً، أصبح هناك قلّة قليلة من العمّال يتقاضون أجوراً مرتفعة، وهذا ما يظهر ارتفاع الهوّة في الدخل في المجتمع. حيث يأخذ 1.4% فقط أكثر من خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور، في حين كان نحو 12.5% يدخلون في هذا الشطر قبل الأزمة. يمثّل هذا الأمر أحد أوجه نتائج الأزمة على المجتمع اللبناني، إذ أتت لتوسّع الهوّة بين الأغنياء والفقراء. كما تظهر هذه الإحصاءات أن الأزمة مسّت بالطبقة الوسطى بشكل كبير، ودفعت جزء كبير منها نحو الطبقات الفقيرة، بينما توسّعت قاعدة هذه الأخيرة لتشمل الجزء الأوسع من اللبنانيين. المشكلة الأساسية هي أن الدولة لا تقوم بتطبيق أي سياسات حماية لمواجهة هذا الأمر، فيما يُترك العمّال اللبنانيون رهينة أصحاب العمل الذين أعادوا هوامش ربحيتهم إلى مستويات ما قبل الأزمة، في حين يتهربون من إعادة مستويات الأجور، وإعطاء الحقوق للعمّال، سواء عبر تسجيل رواتبهم الحقيقية في الضمان الاجتماعي أو عبر القبول بنظام تسوية لتعويضات نهاية الخدمة.