الارتجال يكاد يكون التعبير الأكثر وروداً في أحاديث أساتذة المواد التعليمية بشأن قرارات وزارة التربية، وإن اختلفت وجهات نظرهم حيال هذا القرار أو ذاك. تقليص المناهج لمواءمتها مع الظروف الاستثنائية هو أحد المواضيع التي ينقسم حولها الأساتذة، فمنهم من يقول إن العام الدراسي كان «طبيعياً»، لذلك لم يكن حذف الدروس على طريقة «القصقصة» خياراً سليماً، وخصوصاً في المواد العلمية حيث هناك مواضيع لها صلة بالسنوات الأدنى ولا يجوز أن تحذف، فيما يرى آخرون التقليص «واقعياً، ومنسجماً مع وضعية المدارس الرسمية التي لم ينجز قسم لا بأس به من معلميها برامجهم لأسباب تربوية لها علاقة بالفاقد التعليمي المتراكم من عام إلى آخر، بفعل تفاقم الأزمات بعد عام 2019». فيما يعتقد طرف ثالث أن التقليص «بات مسألة فرعية لا تشكل فارقاً تربوياً ملحوظاً، فالإلغاءات لم تعد تقدّم أو تؤخر، ولا سيما في المواد الأدبية والإنسانية، لكون فوضى التقليص من فوضى المناهج المهترئة التي تعاني خللاً بنيويّاً، فالفلسفة مثلاً تحوّلت من مادة تعتمد في منهجيّتها على التفكير والبحث والاستدلال والتعرّف إلى آراء الفلاسفة ومناقشتها إلى مادة محفوظات غير ذات قيمة معرفية».حتى الآن، ليس في حوزة الأساتذة معلومات مؤكدة عما إذا كان التقليص الموزع عليهم نهائياً، أم ستكون هناك تسهيلات إضافية ولا سيما في صفوف الشهادات الرسمية، وأن وزير التربية عباس الحلبي كلف أخيراً المركز التربوي للبحوث والإنماء باستكمال الدراسة التي أعدّها بشأن مستوى التحصيل التعلمي، وخصوصاً لدى تلامذة المدارس المقفلة. مع ذلك، هناك من يعتقد أن اعتماد المواد الاختيارية هو تقليص بحد ذاته، ويستبعد أن يطرأ تقليص جديد. وإذا كان لكل مادة من المواد التعليمية خصوصيتها، فإنّ الانطباع المشترك بين الكثيرين هو أن «الأمور تدار بالتكهّنات، والقرارات تتخذ في ربع الساعة الأخير، وهناك معمعة وسوء تبليغ وسوء تواصل بين من يعمل على المناهج وأساتذة الصفوف، والجولة التي قام بها المركز على المدارس ليست جدية، إذ بنى بياناً استطلاعياً غير دقيق على عيّنات انتقائية». فقد فوجئت أستاذة اللغة العربية في صف الآداب والإنسانيات بأن التقليص طاول ثلاثة محاور في منتصف المنهج استهلك شرحها جزءاً كبيراً من العام الدراسي، فيما كان يمكن حذف بعض المحاور الأخيرة. وأشارت إلى أن المناهج المعتمدة حالياً «تعاني من ثغر كثيرة، لكنها ليست بالسوء الذي يصوّرونها به، وكانت هناك إمكانية لوضع ضوابط ولم يكن التعاطي معها قبل عام 2019 بمثل هذه الفوضى اليوم، لاعتبارات سياسية وليست تربوية».
التقليص في المواد العلمية يضرب الترابط بين السنوات التعليمية
ويشير أحد أساتذة الكيمياء إلى أن المادة غير متكاملة وغير مترابطة بفعل التقليص المتتالي، وهناك قطع في المعلومات بين سنة وأخرى، فالأستاذ في الصف الأعلى يضطر إلى تخصيص وقت من خارج الدوام لتعويض الطلاب معلومات لم يأخذوها في الصف الأدنى، وهناك ضرب للترابط بين المواد، كأن تكون هناك محاور محذوفة في الرياضيات مثلاً تفيد في الفيزياء. ولفت إلى أن الطلاب يواجهون صعوبات في مباريات الدخول في الجامعات ولا سيما الجامعة اللبنانية التي لا تراعي التقليص، ويضطرّون إلى ردم معلوماتهم المنقوصة استعداداً لهذا الاستحقاق. ويبدو الأستاذ مقتنعاً بأن العام الدراسي الحالي لم يكن مختلفاً عما كان عليه قبل عام 2019، والتقليص لم يكن مبرراً، وكان باستطاعة الأستاذ الجدي أن ينجز الدروس كاملة، لكن المشكلة كانت في تراخي بعض الأساتذة وانتظارهم للإلغاءات والتقليصات وعدم بذل جهد أكبر في إعداد الأسئلة.
لكنّ هذا ليس رأي أحد أساتذة الفيزياء الذي يعتقد أن التقليص هذا العام واقعي وأفضل من العام الماضي، وستسلك الأمور مساراً تصاعدياً لجهة الاستغناء عن التقليص تباعاً، وردم الفاقد التعليمي بما أن الأمور توضع على السكة في ما يخصّ تعديل المناهج التعليمية. لا يوافق الأستاذ على النظرة الكلاسيكية للتعليم والقول إن حذف بعض الدروس يضرب المستوى، «فالأمر نسبي، والمعيار في التعليم لم يعد كمية المادة والمحتوى الذي تقوم عليه مناهج عام 1997، وإنما مهارات وكفايات التفكير، ففلسفة التربية هي تعليم الطالب كيف يحلّل ويصنع المعرفة ويحلّ المشاكل التي يصادفها في حياته، وهذا ما ستركّز عليه المناهج المطوّرة».