مع جلسة مجلس النواب المزمع عقدها اليوم لمناقشة الهبة الأوروبية، يتبادر إلى الذهن التساؤل عن مفاعيل جلسة لمناقشة حكومة معتبرة مستقيلة تستطيع، أصلاً، قبول الهبة بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء وفقاً للمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية أو رفضها، فور تجاوزها 250 مليون ليرة، في حين أن في مقدور مجلس النواب، برأينا، انتهاج الخيارات الآتية:
أولاً: الخيار التشريعي
درجت العادة أن يصدر مجلس النواب، عند مناقشة رسالة رئيس الجمهورية أو أيّ أمر آخر، توصيات أو قرارات، إلا أنّ أيّ توصية تصدر عنه من خارج الحالات التي أعطاها النظام الداخلي لمجلس النواب صيغة تنفيذية أو تقريرية كرفع الحصانة (المادة 94) تشكيل لجان تحقيق برلمانية (المادة 143)، لا تعدّ ملزمة، أيّ إنها إرشادية للمخاطب به في اتباع هذا الخيار أو ذاك، ولا تتحقق درجة الإلزام إلا في إقرار قانون يمنع مجلس الوزراء من قبول هبة نقدية أو عينية مرتبطة بأعباء أو شروط، وهو حلٌ ينسجم، أساساً، مع الغاية من الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور التي تعتبر مجلس النواب، عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، في دورة حكمية واستثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، وذلك لإفساح المجال أمام مجلس النواب لتقييد صلاحيات حكومة تصريف الأعمال بقوانين كي تبقى ضمن النطاق الضيّق الذي قالت به الفقرة الثانية من المادة 64، ومنعها، بالتالي، من إقرار قرارات تخالف الدستور والقوانين، بعدما فقد المجلس حق حجب الثقة عن حكومة مستقيلة، وهو أمرٌ لا غنى عنه بعد إطالة مدة تصريف الأعمال. فقد اعتبر مجلس شورى الدولة، في القرار الرقم 349/2015، أن تمدّد فترة تصريف الأعمال من شأنه أن ينعكس على مفهوم الحكومة المستقيلة.
ثانياً: الخيار الرقابي
من الثابت أن صلاحية مجلس النواب في مراقبة الحكومة ومحاسبتها تفترض حكومةً مكتملة الأوصاف الدستورية، وبالتالي فإنّ الدعوة إلى مناقشة عملٍ أرادت الحكومة اتخاذه، من أجل إضفاء الشرعية أو عدمه بموجب توصية، لا يتّسق مع الهدف من الرقابة أو المناقشة البرلمانية الممنوحة للمجلس عملاً بأحكام المادتين 137 و138من النظام الداخلي للمجلس النيابي. كما أن إناطة الوظيفة الرقابية إلى المجلس في ظل حكومة مستقيلة أو معدّة مستقيلة تقتضي التمييز بين وسيلتين:
الأولى، السؤال البرلماني: وهو حق متاح لأي نائب بغرض الحصول على معلومات من الحكومة ومناقشتها في مسألة معيّنة كمدخل لبلورة موقف دستوري من الحكومة، فإما يتطور إلى استجواب في الحالات الطبيعية، وإما يُتخذ بهدف بناء إرادة لممارسة صلاحية الاتهام سنداً لأحكام المادة 70 من الدستور، لحظة اقتناع النواب بشبهات معينة ترافق الهبة الأوروبية كنتيجة تطبيقية للأسئلة.
وما يعزّز هذا المنحى من التحليل، هو أن الفقه الدستوري في بلجيكا أجاز للبرلمان حق توجيه الأسئلة الشفهية والخطية إلى الحكومة المستقيلة بعد تمدّد فترة تصريفها للأعمال، وهو أمر يمكن الاسترشاد به في التجربة اللبنانية تبعاً لتجاوز مدة تصريف الأعمال المهلة المعقولة؛ ولعدم اقتران الأسئلة البرلمانية، وفقاً للنظام الداخلي لمجلس النواب، بغاية حصرية.
الثانية، الاستجواب: هو حق معطى، في النظام الداخلي، لأي نائب أو أكثر بهدف محاسبة حكومة مكتملة الأركان وحجب الثقة عنها فور عدم الاقتناع بجوابها، أي إنه ليس شيئاً مقصوداً لذاته، إنما وسيلة لمناقشة سياسة الحكومة، حيث يتوقف على نتيجته حجب الثقة أو عدمه، ما يعني أن هناك تلازماً بين شكل الحكومة والاستجواب، إذ ليس معقولاً استجواب حكومة فقدت، أصلاً، الثقة البرلمانية بقوة المادة 69 من الدستور عند بدء ولاية مجلس النواب الجديد.
وعلى ذلك، فإنّ الوظيفة الرقابية للمجلس في ظل حكومة تصريف الأعمال تنحصر في حق توجيه الأسئلة، من دون أن تعني إمكانية ممارسة الاستجواب.
ثالثاً: الخيار القضائي
انتفاء المسؤولية السياسية لحكومة تصريف الأعمال أمام مجلس النواب لا يُسقط المسؤولية القضائية التي يمارسها المجلس بمقتضى صلاحية الاتهام بالخيانة العظمى التي لم يجرِ تحديد منطلقاتها في نصٍ دستوري أو قانوني، أو بإخلال في الواجبات المفروضة على الرؤساء والوزراء، ثم إعمال المحاكمة أمام المجلس الأعلى الذي يتكوّن، عملاً بالمادة 80 من الدستور، من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب، وثمانية قضاة، ما يعني أنه فور اقتناع النواب بأن هناك شبهات معينة، يقدَّم طلب الاتهام، قبل أو أثناء أو بعد انعقاد الجلسة النيابية، بموجب عريضة يوقع عليها 1/5 من النواب على الأقل، تحمل اسم الشخص المتهم والجرم المنسوب إليه وسرداً للوقائع والأدلة. عندئذ يقرّر المجلس، بعد الاستماع إلى مرافعات الادعاء والدفاع بأكثرية مطلقة من أعضاء المجلس، إما رد طلب الاتهام أو إحالة المتهم إلى لجنة التحقيق البرلمانية التي تضع تقريراً عن القضية قبل إحالته إلى المجلس النيابي لإصدار قرار الاتهام، وبالتالي محاكمة المتهمين أمام المجلس الأعلى.
جرّاء ما تقدّم، يتبيّن أن مفعول الجلسة النيابية يتعزّز، أكثر فأكثر، عند إقرار قانون يحدّد القواعد المرتبطة بالهبة الخارجية وغاياتها وآلية إنفاقها، بسبب تعذّر تحقيق الغرض الذي من أجله مُنح المجلس النيابي المناقشة البرلمانية، ويصبح الدور التشريعي بالغ الضرورة إذا كانت الهبة تندرج ضمن اتفاقية أو معاهدة، حيث يجب موافقة مجلس الوزراء ثم مجلس النواب بحسب ما يُستشفّ من المادة 52 من الدستور.