الأخبار
بحسب أرقام الجمارك اللبنانية لعام 2023، تبيّن أن سبائك الذهب الخام هي ثاني أكبر سلعة مستوردة، إذ بلغت قيمة استيرادها نحو 1.9 مليار دولار. هذا يعني أن 11% من الدولارات التي استُخدمت في الاستيراد في 2023 ذهبت إلى الخارج لتمويل ثمن شراء هذه السبائك.
صحيح أن السبائك تستخدم في قطاع صياغة الذهب وتحويلها إلى قطع جاهزة للعرض والبيع للاستخدام الفردي، لكن الإحصاءات تشير إلى أن الذهب الخام يُستورد ثم يُعاد تصديره، أي أن الكميات المستوردة لا تستخدم كلّها في عمليات تصنيع الحليّ والمجوهرات التي تنطوي على قيمة مضافة يستحصلها الاقتصاد من هذا الاستثمار، بل يخزّن ثم يصدّر إلى الخارج من دون أي نفع في الاقتصاد المحلّي.في السنوات العشر الأخيرة، استورد لبنان سبائك ذهب بقيمة 7.4 مليارات دولار، أو نحو 183 طناً. وفي الفترة نفسها، صدّر لبنان 119 طناً من هذا الذهب، أي 65% ممّا استورده.
وفي هذه الفترة، كانت أكثر الدُّول المُورّدة لسبائك الذهب الخام إلى لبنان هي: سويسرا والإمارات وفنزويلا وتركيا. أما أكثر الدول المُستوردة لسبائك الذهب الخام فكانت سويسرا والإمارات وتركيا. وهو ما يُرجّح وجود عمليات تجارية غير مفيدة ذهاباً وإياباً بعيداً عمّا يقال عن أن التصدير والاستيراد هو لتقديم الذهب في المعارض التي تقام في تلك البلدان، إذ إن السبائك لا قيمة لعرضها، ولا سيما بهذه الكميات الكبيرة، بل يشي الأمر بأن جزءاً كبيراً من الكمية الواردة يعاد تصديرها كما هي، وهو أمر يبدو غير مفيد لاقتصاد يعاني من عجز في ميزانه التجاري ينعكس عجزاً في حسابه الجاري. فعلى سبيل المثال، كان يمكن استخدام مبلغ الـ 1.9 مليار دولار في استيراد مواد أوّلية أخرى تُستخدم في إنتاج سلع يمكن أن تأتي بعملات أجنبية أكثر إلى البلد.
هذا النوع من الأمور هو المُستهدف عندما يتم الحديث عن ضرورة وضع قانون ضوابط رأس المال (كابيتال كونترول)، والذي أصبح، بعد خروج معظم رؤوس الأموال في القطاع المالي من البلد عقب الأزمة، عبارة عن قانون يمكن أن تُحدد فيه ضوابط على الاستيراد فقط. وهذا الأمر يُحتّم أن يكون هناك من يراقب الاستيراد ويرى أين يذهب وكيف، وبماذا يتم استخدامه. عملياً، لا يمكن للحكومة أن تُعيد توزيع المبلغ المستنزف في استيراد وتصدير سبائك الذهب على استيراد مواد أولية للصناعات الأخرى، وذلك يحتاج إلى قطاع مصرفي فعّال يستطيع، بواسطة الإقراض، إقراض هذه المّدخرات لتمويل استثمارات في قطاعات أخرى. وبما أن القطاع المصرفي مُعطّل اليوم، وخصوصاً من ناحية دوره التمويلي في الاقتصاد، لا يمكن الحديث عن ضبط رؤوس الأموال وتوجيهها نحو الاستثمار الأكثر فائدة للاقتصاد.